الحديث عن التصوف والموسيقى الروحية في أفريقيا، ليست مجرد ترف فكري،بل هي ثقافة متأصلة في جذور أغلب دول أفريقيا، بتنوع فنونها،واختلاف تعبيراتها على مستوى الجسد،ممثلة في الوشم،وتعدد ديانتها،وأنماط تفكيرها،وهو مايؤكد وفرة المخزون الإبداعي لدى الانسان الأفريقي، بسبب داعم وقوي هو ارتباطه بالطبيعة،خصوصا إذا علمنا أن الطبيعة الأفريقية تمثل استثناء، مقارنة مع باقي تضاريس العالم بأكمله.وهذه الطبيعة الجذابة والمتوحشة في نفس الوقت،تمنح للأفارقة طاقة روحية عالية على استثمار مخزون الذات،وجعلها قادرة على اكتشاف مكنوناتها الداخلية،وتوظيفها في وضع اللمسات الفنية والجمالية على مانتتجه من موسيقى روحية وتصوف.
ولعل الحديث عن التصوف في أفريقيا لايمكن تصنيفه في حقبة تاريخية معينة،لأسباب موضوعية ووجيهة،كون التصوف ولد مع الانسان الأفريقي عبر اكتشاف الأديان،واعتناق المذاهب،فالعزلة التي ضربت على القارة الأفريقية لقرون طويلة،جعلت مواطنيها يعيشون مرحلة من التأمل والتعبد في المغارات والكهوف،لابسين جلود الحيوانات،ووبرها،مستعملين صوفها في طقوس صوفية،باحثين عمن يستحق العبادة،ومن هو مؤهل للإجابة عن أسئلتهم الروحية،خصوصا أنهم كانوا يعيشون مرحلة من الاغتراب النفسي والاجتماعي، تجاه ماتعرضه الطبيعية يوميا من قوى تثير الكثير من الخوف والفزع في نفوسهم.
وهذا التمرين على اكتساب طرائق التصوف،لم تكن سهلة لدى الأفارقة،بل هي نتيجة جهد كبير من التمحيص والتأمل في الكون،وإعمال العقل والقلب معا،لإرساء نزعة صوفية متكاملة،وجدت آثارها في ماعثر عليه من رسومات ومنحوتات،وصور ولقى في كهوف ومغارات أفريقية كانت نتيجة بحث مجموعة من الأركيولوجيين الغربيين الذين استوطنوا في أفريقيا لسنوات، من أجل اكتشاف معالمها وتضاريسها،واستخراج ثرواتها.وكثيرة ومتنوعة هي المصادر التي تحدثت عن التصوف لدى الأفارقة،وعبر مسارات متعددة، استطاعت الزوايا التي عرفها المغرب،أن تجد لها امتدادات وفروع بمجموعة من الدول الأفريقية،عبر عدة قنوات ووساطات نذكر منها،عوامل التلاقح الديني والثقافي بين أفريقيا والسلطة المركزية بالمغرب، ممثلة في دولة الأدارسة والمرابطين والموحدين، والمرينيين والسعديين والوطاسيين والعلويين،تأثيرات الرحالة الذين زاروا أفريقيا وأثروا في سكانها،بالاضافة الى لجوء مجموعة من المريدين لأفريقيا كوجهة مفضلة لنشر تعاليم الصوفية،فتعززت عدة مراكز أفريقية ومناطق ودول بالخطاب الصوفي لابي يعزى ،وبوشعيب الرداد الملقب (بمول السارية) ،وعبدالعزيز التباع وسيدي بلقاسم الزعري،وامتدادات الزاوية الشاذلية (بمالي) والكتانية بالسنيغال، والتيجانية في السودان على يد الشيخ عوض السيد التجاني ولد1150 ه.
وفي تانزانيا حيث يوجد عدد كبير من المسلمين،تنشط التجمعات الصوفية على شكل ابتهالات وأمداح نبوية، وشطحات وجذبات،خصوصا في منطقة”زمجبار”ومن بين المنشدين الصوفين هناك نذكر( بشيرو شتو عيسى ــــ يحيى بيهاكي حسن)،وينضاف الى هذه العوامل تأثر البعثات الدراسية بالمغرب على نشر الطلاب الأفارقة ،بعد تخرجهم الى نشر التصوف ببلدانهم،خصوصا أعلامه الكبار (كابن عربي والحلاج والجنيد- أبو حامد الغزالي – الحسن البصري).
أما بالنسبة للموسيقى الروحية بأفريقيا ترتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة المحلية،فكل الطقوس التي تمارس بأفريقيا تجسد بموسيقى روحية، سواء تعلق الأمر بالرقص أو الغناء أو الاحتــــــــــــفالات الدينية ،أو في المآثم والجنازات،وقد تؤدى هذه الموسيقى الروحية إما بشكل فردي أو جماعي،حسب المواقف والأحداث،وقد تؤدى بلا آلات موسيقية.ومن أهم الأعلام في إنشاد الموسيقى الروحية نذكر المنشدة (الشيخة كاتنين ديوبات) وتنحدر من كوناكري بغينيا،ولقد رشحها راديو كليمنجارو كأفضل فنانة لعام2016 .ونذكر أيضا المغنية الروحية (بلاندين ميبيا) من الكونغو،و(نيستانيت ميليس) من إثيوبيا ….
على مستوى التأثر، فقد تأثر المغرب بالموسيقى الروحية الأفريقية خصوصا (فن كناوة) ذو الجذور الافريقية،وكذا آلاته الموسيقية (لقراقب والمقص والطبل)،وكل هذه الفنون كانت موضوع مثقافة بين المغرب وأفريقيا، امتدت لعقود طويلة بين المغرب وأفريقيا وماتزال مستمرة إلى اليوم.