( أوروبا تخشى من عودة ترمب يهدد مرحلة العسل مع الصين )
بعد أسابيع من تصويت الكونغرس الأميركي على حظر تطبيق ( تيك توك ) الإلكتروني الصيني قرر المستشار الألماني أولاف شولتس أن يفتح حسابا رسميا في التطبيق قبل أيام من زيارته للصين وهي الزيارة الثانية له منذ تسلم الرئاسة، وهذه الزيارة تشبه الزيارات التي كانت تجريها المستشارة السابقة ميركل ركزت الزيارة على التجارة والأعمال ولم تأتي بحث السياسة سوى في اليوم الثالث من الزيارة، وكانت الحرب في أوكرانيا نقطة محورية في اللقاء طالب الصين المشاركة في عملية السلام بشكل أكثر فاعلية لأن كلماتها تحمل ثقلا في موسكو، رغم أن الصين تعد نفسها طرفا محايدا في الحرب بين روسيا وأوكرانيا في نفس الوقت ترفض إدانة موسكو.
تبنت حكومة شولتس الائتلافية استراتيجية جديدة تجاه الصين في 2023 تتمحور حول تخفيف المخاطر من مغبة الافراط في اعتماد الصناعة الألمانية على الصين، تبلورت بعد الحرب في أوكرانيا بعدما صرحت ألمانيا أنها تعلمت من تلك الحرب بسبب اعتمادها السابق على الغاز الروسي الذي أوقفت روسيا إمداداته بعد الحرب ردا على العقوبات الأوروبية، لكن زيارة شولتس لبكين لم تتبنى تلك الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي في 2023 التي تعكس المخاوف من اعتماد السوق الأوروبية على البضائع الصينية، رغم أن الصادرات الأوروبية إلى بكين لم تتغير منذ عام 2019 في حين نمت الواردات الصينية إلى أوروبا، لكن شولتس صرح أن ألمانيا لا تسعى إلى فصل الاقتصاد الألماني عن الاقتصاد الصيني، وطالب الاشتراكيون باستعاضة عبارة فصل بتنويع او تخفيف الاعتماد على السوق الصينية في كثير من المنتجات خاصة المتعلقة بالتكنولوجيا والبيئة.
سبق أن رفضت ألمانيا الضغوط الأميركية في زمن ترمب السماح لشركة هواوي بالعمل في ألمانيا وأوروبا باعتبار أنها مرتبطة بالنظام الحاكم في الصين ستكون قادرة على مراقبة الاتصالات من خلال شبكاتها.
تعد الصين الشريك التجاري الأكبر لألمانيا تليها الولايات المتحدة في 2023، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين 253 مليار يورو لتكون الشريك الأول للعام الثامن على التوالي، وبلغ مع الولايات المتحدة 252 مليار يورو في نفس العام مع فائض تجاري لصالح الصين مع ألمانيا بنحو 58 مليار يورو، فيما حققت ألمانيا فائض تجاري مع أمريكا بنحو 63 مليار يورو، فالصادرات الأوروبية إلى الصين لم تتغير منذ 2019 وحتى الآن، بينما نمت الواردات الصينية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة تصل 3000 في المائة من 33 مليون يورو شهريا في 2019 إلى مليار يورو في 2023 وساهمت السيارات الصينية بنحو 75 في المائة من الواردات.
فإذا ما عاد ترمب للبيت الأبيض ستعود المخاوف الخلافية بين برلين وواشنطن، لكن ألمانيا تعد السوق الصينية سوقا أساسية بالنسبة لألمانيا خاصة بالنسبة لقطاع السيارات الألمانية، وتبيع سيارتها للصين أكثر مما تبيعه في أوروبا مجتمعة، ووفق معهد الأطلسي الأميركي حول الموضوع قال إن أوروبا لن تكون قادرة على تحقيق وقف اعتمادها على الصين في المدى القصير ولا بالسرعة أو الأشكال التي تريدها واشنطن، لأن الأمر يتطلب استثمارات ضخمة داخل أوروبا تبني اقتصادات أكثر تنافسية، ستستغرق عدة سنوات وعلى مدى عدة رئاسات أوروبية، وإدارة رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي اورسولا فون دير لاين تطور خريطة طريق لضمان نجاح خطة كهذه تطبق بعد انتهاء ولايتها، ستبقى ألمانيا ومعها الشركات الكبرى المستفيدة من التجارة مع الصين بسبب انخفاض أسعار البضائع عقبة كبيرة في طريق تعديلات إضافية تبعد أوروبا عن إدمانها التجاري مع الصين.
لكن فرنسا وبقية الشركاء الأوربيون في اجتماع لهم في باريس في أبريل 2024 صرح وزير الاقتصاد الفرنسي إن أوروبا تتلقى كميات ضخمة من السلع الصينية الرخيصة، وأضاف أن العجز التجاري بين أوروبا والصين تضاعف ثلاث مرات في السنوات العشر الماضية، لكن وزير الاقتصاد الألماني حذر فرنسا من الحمائية ورفع التعريفات الجمركية، وتتخذ بروكسل آليات داخلية لمراقبة الشركات التي تستخدمها الصين غطاء لإغراق السوق ببضائع رخيصة بهدف إلغاء المنافسة، وفي نهاية أبريل 2023 أعلنت واشنطن رفع الرسوم على الصلب والألمنيوم الصيني بنسبة 25 في المائة لكن ألمانيا لا تدعم خطوات مماثلة في الاتحاد الأوروبي يؤدي إلى حرب تجارية ومن الأفضل السماح للشركات تحمل مسؤولية تنويع الصادرات بشكل فردي، حيث لا زالت أوروبا تستورد 29 في المائة من توربينات الرياح ونحو 68 في المائة من مضخات التدفئة من الصين.
إذا كانت أوروبا تحتاج الصين تجاريا وسياسيا للتدخل في اقناع روسيا بوقف الحرب في أوكرانيا، كذلك تحتاج واشنطن بكين وقف دعم روسيا عسكريا وثني إيران عن توسيع الحرب من خلال زيارة بلينكن وزير خارجية أمريك لبكين في نهاية شهر أبريل 2024 تحسنت العلاقة بعد توتر شديد بسبب عبور منطاد تجسس صيني فوق الأراضي الأميركية واسقاطه في أوائل 2023 ثم تلى هذا التوتر لقاء الرئيسين الأمريكي والصيني في نوفمبر 2023 إلى استئناف الاتصالات العسكرية الثنائية وبذل جهود جديدة للحد من الدور الذي تضطلع به الشركات الصينية في التجارة العالمية ومناقشات حول مخاطر الذكاء الاصطناعي.
رغم ذلك لا زالت المواقف متباعدة على مجموعة من القضايا الاستراتيجية الشائكة على رأسها المخاوف من نقل الصين المعدات العسكرية والإلكترونيات لتمكين روسيا عسكريا يعزز هجومها على أوكرانيا و90 في المائة من واردات روسيا من الالكترونيات المهمة لإنتاج الصواريخ والدبابات والطائرات المسيرة من الصين، بجانب الصادرات الصينية الرخيصة، مقابل هواجس لدى بكين من محاولات تطويق المصالح الصينية في منطقة المحيط الهادي، والصين قلقة من أن الولايات المتحدة تسعى إلى عرقلة تنمية بلادهم من خلال الحد من وصولها إلى الرقائق المتقدمة وملاحقة بعض شركات التكنولوجيا الرائدة مثل بايت دانس المالكة لتيك توك، والتي تعتبرها الصين ليست منافسة عادلة، وتعتبر أن مثل هذه اللغة التصالحية احتواء لا تؤدي إلى إزالة المخاطر بل تخلق المخاطر.
في المقابل شرع ماسك صاحب شركة تسلا في زيارة إلى بكين بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن لمناقشة طرح برنامج القيادة الذاتية الكاملة في الصين والحصول على موافقة لنقل البيانات التي تم جمعها في الصين إلى الخارج لتدريب خوارزميات لتكنولوجيات القيادة الذاتية الخاصة بها الذي سبق أن قامت تسلا منذ عام 2021 بتخزين جميع البيانات في شنغهاي ولم ينقل أيا منها إلى الولايات المتحدة.
ما جعل شركات صينية منافسة مثل إكسبينغ الفرصة لكسب ميزة على تسلا من خلال طرح برامج مماثلة للقيادة الذاتية أتت هذه الزيارة بعد إلغائه زيارة كانت مقررة إلى الهند للقاء رئيس الوزراء تاريندرا مودي بسبب أن هناك التزامات ثقيلة على تسلا بسبب انخفاض المبيعات الناتجة عن حرب الأسعار المتصاعدة للسيارات الكهربائية التي تقودها العلامات التجارية الصينية وباعت تسلا 1.7 مليون سيارة في الصين منذ دخولها السوق الصيني قبل عقد من الزمن ويعد مصنعها في شنغهاي هو الأكبر على مستوى العالم وتعتبر القيادة الذاتية المحرك الجديد لنمو السيارات الكهربائية.
تعتبر وزيرة الخزانة الأميركية الاقتصاد الأميركي قوي وخيارات مواجهة بكين على الطاولة، باعتبار أن الصين التهديد الأول للولايات المتحدة بسبب الافراط في الإنتاج في الصين الذي يضر بالمصنعين في الكثير من البلدان، وقالت إنه على الرغم من اعتراف صناع السياسيين الصينيين بأن لديهم مشكلة تتعلق بالقدرة الصناعية الزائدة على السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وغيرها من سلع الطاقة النظيفة، فإنهم بحاجة إلى معالجتها لأن الإنتاج الزائد الصيني يهدد قدرة المصنعين على البقاء في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والمكسيك والهند.
تراجع إدارة بايدن المادة 301 للتعريفات التجارية غير العادلة على الواردات الصينية التي فرضها ترمب في عام 2018، مثلما زادت إدارة بايدن التعريفات على الصلب الصيني ثلاث مرات إلى 25 في المائة، وتبلغ الرسوم الجمركية الأميركية على واردات السيارات الصينية الآن نحو 27.5 في المائة ولا يباع سوى عدد قليل من السيارات الكهربائية الصينية في الولايات المتحدة.
سباق التسلح الأميركي الصيني ما زالت بكين بعيدة لسنوات طويلة قبل أن تلحق بالولايات المتحدة حيث تنفق الولايات المتحدة نحو 916 مليار دولار، فيما تنفق الصين 296 مليار دولار، ما يعني عمليا ان الولايات المتحدة تنفق نحو 3 أضعاف ونصف ما تنفقه الصين، وهما ينفقان نصف الإنفاق العالمي، وتبلغ حصة الأطلسي 1341 مليار دولار، تبلغ حصة الولايات المتحدة 68 في المائة، وتنفق موسكو نحو 109 مليار دولار، وتأتي السعودية خامسا بإنفاق نحو 75 مليار دولار.