سؤال محير للأسف، وهذه هي رسالتي الثالثة في ظرف ثلاث سنوات، للأشقاء في الجزائر الجارة، لعلنا نتجاوز ضيق الأفق الذي يخيم على العلاقات بين الشعبين. ولعل الآونة الأخيرة حملت الكثير من القيل والقال، كرستها بعض الوجوه الإعلامية الفاقدة للشرعية وبعض من تورطوا في نقاشات عقيمة على مواقع التواصل الاجتماعي.
الكل يعلم أن الشعب الجزائري الحر لا علاقة له بقضية أقاليمنا الجنوبية، ومسرحية تقرير المصير ما هي إلا أكذوبة يتقنها جيدا أي نظام عسكري شمولي، والدليل أن هذا النظام لم يساند يوما فكرة للانفصال، لا في جزيرة القرم، ولا هونغ كونغ ولا تايوان ولا الأحواز ولا كاتالونيا ولا الباسك ولا هم يحزنون، خوفا من غضبة الأسياد. لكنه أنشأ مرتزقة لتقسيم البلد الجار بمسميات عديدة، يعرف العسكر جيدا الغاية منها هم وأذيالهم من إعلام متملق ونخبة سياسية فاسدة.
فرنسا تأوي كل دعاة الانفصال والتقسيم والمعارضين الجزائريين، لكن نظام العسكر لا يقوى على قطع علاقاته معها، زعيم الماك يعلن استقلال القبائل من قلب الولايات المتحدة، والنظام الجزائري لم يستدعي السفير الأمريكي أو يقطع علاقاته معها.
نحن لا ندعي الكمال هنا بالمغرب، لكن على الأقل نحلل بموضوعية، ولن تجد قناة رسمية مغربية تشتم في الجزائر كما تفعل الشروق والنهار وغيرها من قنوات الصرف الصحي الموالية لفكر الحقد والضغينة، التي خيمت على قلوبهم وعلى عقولهم. ولا نتدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، بل بالعكس نمد يد الصلح لنفتح صفحة جديدة، وكما قلنا دوما نحن أبناء اليوم، ولسنا لا نحن ولا انتم مسؤولون عن أي أخطاء وقعت في الماضي.
كان من المفروض أن يكون للنخبة المثقفة وأحرار الإعلام دور في ما يجري، لكن للأسف انساق الإعلام المأجور وراء أوهام الجنرالات الذين فعلوا كل شيء بأموال الشعب الجزائري إلا تنمية البلد وتوفير العيش الكريم لمواطنيه رغم الإمكانيات والثروات الطبيعية، وهي طريقة ناجحة لحد الآن لإلهاء الشعب عن فرص البناء التي ضاعت في بلد زاخر بالثروات الطبيعية.
لو أخذتم إخواني الجزائريين، فرصة للتفكير في الواقع الاقتصادي، فلا تقارنوا أنفسكم لا بتونس ولا بالمغرب، بل بدول نفطية كالإمارات والسعودية وقطر وسترون الفرق، وتساءلوا بعدها أين أموال البلاد والعباد؟ آنذاك ستفهمون لما يفضل العسكر مسرحية العدو الوهمي، وفتح نزاعات مفتعلة هنا وهناك.
ما هي المكاسب التي حققها قطاع الطرق منذ أكثر من نصف قرن من وجودهم فوق التراب الجزائري سوى استنزاف خيرات البلد التي من المفروض أن تخصص للتنمية، والبلد أولى، وماذا ربح الجنرالات من ذلك سوى تبذير الأموال. والسؤال الجوهري والأعمق، ماذا استفاد الشعب الجزائري الشقيق من كل هذا؟.
كان مفترضا أن تكون الأخوة وروابط الدم التي تجمع الشعبين حاجزا أمام تفاقم الأزمة، مؤسف أن نرى فقط بعين واحدة، مؤسف أن لا نقف لنسأل الذات والواقع والتاريخ والجغرافيا عن ما يحصل، لا يمكن أن نستمر في تعاملنا مع ما يحدث بسياسة الهروب من الحقيقة، التحالفات والتكتلات والأخطار الخارجية لا ترحم ونحن لا زلنا نصارع الزمن ونتصارع فيما بيننا من أجل أوهام العسكر.
نأسف على ضياع فرص النجاح التي كان من الممكن استثمارها، لكن نحمل الكثير من الآمال والثقة في المستقبل وفي الشعب الشقيق الذي أصبح يرى الواقع جليا أمامه، ثقتنا كبيرة في النخبة المثقفة والإعلام الحر الصادق في طي صفحة الماضي وإنهاء ما بدأه النظام العسكري منذ انقلب بومدين على الشرعية المدنية في ما سمي البيان رقم واحد الذي أصدره بومدين بتاريخ 15 يوليوز 1961 على الحكومة المؤقتة برئاسة يوسف بن خدة ومنذ ذلك الحين توارث العسكر حكم قصر المرادية وتداولوا السلط فيما بينهم.
لقد تغير العالم أيها الأشقاء، تغيرت المفاهيم والقناعات إلا عقول الجنرالات وحقدهم للجيران وأورثوه لأجيالهم، وقد حان الوقت ليقول الشعب كلمته، وتفتح الحدود ونطوي الخلافات للأبد، ونستشرق غدا أفضل لنا ولأجيالنا القادمة في بلد مغاربي كبير غني بالتنوع الثقافي واللغوي والحضاري ويزخر بكل الإمكانيات الطبيعية والبشرية لتحقيق نهضة حقيقية.