قبل أيام شاهدت فيلم “لا تنظروا إلى السماء”، من تمثيل جينيفر لورنس وليوناردو دي كابريو. تدور أحداثه حول عالمي فلك يحذران العالم من مذنب مدمر يتجه نحو الأرض. ولم يلتفت إليهما أحد، لا من رئيسة الولايات المتحدة ولا من وسائل الإعلام المختلفة.
الفيلم يعرض بأسلوب أقرب إلى الكوميديا تفاهة النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة. قادة العالم يتخذون قراراتهم لصالح الشركات الكبرى والطبقة العليا فقط. وهم في ملهاة عن المخاطر المحدقة بمواطنيهم، وبالبشرية جمعاء من حروب وأوبئة ومظالم، إضافة إلى الإساءة إلى المناخ والتلوث البيئي.
وجاء اسم الفيلم “لا تنظروا الى السماء” بمعنى لا تتطلعوا إلى الأعلى ومحاولة الارتقاء بالمستوى الاجتماعي والثقافي والقيمي.
والجمهور غافل عن مصالحه الحقيقية، ويخوض في التفاهات من وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاعلام المستهلك بأطروحات سطحية وثقافة مشوهة تعتمد على الفضائح والسلوكيات الرديئة.
ما يميز العالم المعاصر ليست الأزمات والحروب فقط، بل شيوع التفاهة واللامبالاة إلى حد الاستخفاف بالعقل البشري الرشيد وبمستقبل الإنسانية. وأصبحت اللامبالاة مبدأً فعالاً، وهدفًا يجب تحقيقه في إنتاج اللاتفكير، أو خواء المعنى. وانتقلت الثقافة والفنون من العمق إلى التسطيح.
الجمهور غافل عن مصالحه الحقيقية، ويخوض في التفاهات
من وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاعلام المستهلك
بأطروحات سطحية وثقافة مشوهة تعتمد على الفضائح والسلوكيات الرديئة
صار للتافهين القول الفصل والكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بالخاص والعام.
وحول ذلك أصدر الفيلسوف الكندي آلان دونو كتاب “نظام التفاهة” أوضح فيه انتشار التفاهة في المجتمعات. فالتافهون قد أمسكوا بمفاصل السلطة، ووضعوا أيديهم على مواقع القرار، وصار لهم القول الفصل والكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بالخاص والعام.
وفي مجتمعاتنا العربية نجد انتشار رسائل الكراهية والعنصرية، والتدين الزائف والطقوس الغريبة، واجترار الماضي في أكبر عملية تجهيل. ناهيك عن المواضيع والأطروحات الهابطة سواء في الاعلام الممنهج أو في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
نظرة واحدة على التيك توك تجد فيديو لشخصية نرجسية تقدم نفسها على اعتبارها نجمة من نجوم المجتمع. أو من يعرض أفكارا ما أنزل الله بها من سلطان. مع أخبار مضللة ومعلومات مغلوطة وتاريخ مزيف. حتى أصبحت مجتمعاتنا تعاني من الضحالة والتفاهة ولا تهتم بمصالحها الحيوية المسلوبة من أنظمة فاسدة وأحزاب عنصرية وطائفية مقيتة، فأصبح المواطن يعيش في حاضر بائس ومستقبل مجهول، مع نظرة قاتمة.
ومما زاد في التسطيح وشيوع الرداءة احتكار السلطة من قبل حفنة من السياسيين البعيدين كل البعد عن أي منهج ثقافي أو قيمي والنزوع إلى الاستبداد الديني والفكري والاجتماعي.
إنه عصر التفاهة والإلهاء، وانحراف التفكير الصائب والابتعاد عن القيم العليا، حتى تفشى الفساد السياسي والاجتماعي، وشاع الجهل، والمحتوى الهابط وتردى المجتمع، إلا ما رحم ربي.
ولذلك يتوجب على قادة الرأي والمثقفين والفنانين تأكيد أهمية المضمون، واستعادة الهوية الثقافية، للوقوف بوجه الضحالة والمحتوى الهابط، وأن يرتقوا بالثقافة والفنون إلى آفاق عالية تبني أجيالا جديدة مسلحة بالمعرفة الرصينة، وإعادة الوعي للفرد والمجتمع إلى مساره الصحيح، بما يعكس قيم الأمانة والنزاهة في مجالات الحياة كافة