بقلم/ عبد الله العبادي
لا أحد يجادل في كوننا لم نعد نملك أي قيم مشتركة يمكننا الاتفاق عليها جميعا، مهما اختلفت قناعاتنا وأيديولوجياتنا، كما أننا لا نتقاسم أي أهداف مشتركة نطمح اليوم، إلى تحقيقها. فالعالم يهوي نحو المزيد من الصراعات والحروب ولا أحد يستطيع إيقافها. تتصاعد الأزمات المتشابكة، ويطفو الاختلاف بين القوى الكبرى، وتنتشر نزاعات مسلحة هنا وهناك.
يبدو العالم متصدعا وفي حالة حرب دائمة لكنها لا تظهر جليا بفعل تضارب المصالح الاقتصادية والتجارية.
انعدام يقين الكثيرين في كون الانسانية ستعود يوما لرشدها، أو قيام المنظمات الأممية الدولية بالدور المنوط بها. مع ظهور مفاهيم جديدة للصراع والنزاعات، باتت تعرف بالحروب الحديثة والأجيال الجديدة من الصراع وعلم الحرب، مصطلحات تجعلنا في حيرة من أمرنا لمواكبة ما يحدث بالضبط.
لفهم هذه التساؤلات، يجب فهم مواقف ومخاوف وآمال الناس في مناطق الحرب ومناطق السلم، ما الذي يقلقهم وما الحلول التي يرونها لتحقيق استدامة أمنية تخيم على أرجاء الكون، بعيدا عن الحروب المسلحة ومنطق القوة والردع والتدخل.
نحن بحاجة للوقوف على القيم والأهداف الموحدة التي تغيب بشكل كبير عن الأنظمة السياسية والدبلوماسية التي تقود العالم اليوم، والتي تتشبث بمفهوم القوة والزعامة والسيطرة على الآخر. فالناس لا زالوا يؤمنون بالمساواة والعدالة وحسن الجوار والعيش الكريم، رغم كل التفاوتات التي أحدثتها الرأسمالية المتوحشة والشروخ التي نتجت عنا. فهم يحلمون دوما بغد أفضل وبمجتمعات عادلة، وأوطان تجمعهم وتحميهم رغم اختلافهم.
مهما كانت علاقة الناس القصيرة أو الطويلة مع السلم والحرب والديمقراطية، وهي مفاهيم متباينة ومختلفة، إلا أنهم وبطبعهم يتوقون للعيش الكريم بعيدا عن قانون الغاب. بات الناس يعون جيدا ما تخبئه لهم الطبيعة وتغيرات المناخ من مفاجآت، لذلك على الأقل يتمنون تحقيق عدالة إنسانية مشتركة لمواجهة أخطار الطبيعة، حتى لا تكون قساوة الطبيعة والحرب متلازمتان يصعب العيش في ظلهما.
لا أحد سواء في الدول الثالثية أو المتقدمة يفضل الدمار على السلم، ولا احد يتمنى الحرب والعيش في مناطق النزاع، لذلك وجب فهم أسباب ودواعي النزاع كطريق للعمل على نشر الأمن والامان والسلام، وتفادي كل الكوارث التي تسببها الحروب. لا يتحقق السلام إلا بفهم عميق لمسببات الصراع، والعمل على حلها قبل فوات الأوان.
الطبيعة البشرية تميل للعدالة وحقوق الإنسان، والكل يؤمن بهذه القيم التي لم تعد مشتركة مع صناع القرار، أولئك الباحثين عن المجد وفرض الأمر الواقع على الآخر. أولئك الذين من المفروض أن يقدموا للعدالة من أجل المحاسبة بسبب الجرائم التي يرتكبونها، ولتحقيق ذلك من المفروض أن تحقق المؤسسات الدولية توازنها واستقلالها على مراكز القرار العالمي المتحكمة في كل شيء. كما يجب تمكين كل الدول والشعوب من المشاركة في صنع القرارات العالمية التي تستحوذ عليها الأقطاب العالمية لتقرر مصير الآخرين.
فنظرة المستقبل تملي علينا الكثير من الأفكار الإصلاحية لتحقيق توازنات سياسية دولية، وتحالفات تحقق ميزان القوى. من الواضح اننا سنكون أمام تحديات جمة ومواجهة مع الغرب المتغطرس، الذي لا يولي أي اهتمام للجنوب إلا حين يبحث عن الثروات الطبيعية أو افتعال الحروب والانقلابات. وما داموا لا يبحثون إلا عن المصالح الضيقة، فالحروب لن تتوقف إلا بفهم مسبباتها ليعوضها السلام.