حكاية البغل الأسترالي
بمجرد إعلان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن قراره الشهير بتأميم قناة السويس يوم 26 يوليوز 1956، ثارت ثائرة الدول الغربية بين مهدد ومندد، خاصة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إضافة إلى الكيان الصهيوني، وكان من بين المطالب التي رغبت هذه الكيانات في فرضها على مصر، تحويل قناة السويس إلى منطقة معزولة عن بلدها بإدارة دولية مشتركة، وشكلوا لهذا الغرض وفدا لمفاوضة عبد الناصر، ترأسه الأسترالي “روبرت منزيس” رئيس وزراء استراليا حينها، وبعضوية ممثلين عن كل من الولايات المتحدة والسويد وإيران والحبشة.
وكان “منزيس” هذا يعبر آنذاك بشكل علني عن عدائه لمصر وللعرب عموما، وحاول في اجتماع لجنته مع عبد الناصر إقناع هذا الأخير بقبول إشراف دولي على القناة، لكن الرئيس المصري أصر على موقفه الوطني وأنهى الاجتماع رافضا أي تنازل عن حق بلاده في ممارسة سيادتها على جزء أصيل من الإقليم المصري.
وما إن انتهى الاجتماع حتى عنونت الصحف المصرية تغطيتها للموضوع بالمانشيت العريض “فشل مهمة البغل الأسترالي”، ويقال إن عبد الناصر نفسه هو من وصف رئيس وزراء أستراليا بهذا الوصف بعد فشل الاجتماع.
وتعبير “البغل الأسترالي” شائع بين الإخوة المصريين، وهو كناية عن أي شخص يجمع بين القوة و”الغشومية” أو البلادة المبينة، ولهذا البغل طبعا حكاية، فقد كان له دور كبير في خدمة الجيش الأمريكي إبان الحرب الأهلية، وحصل كل “جندي” من تلك البغال على رتبة عسكرية وربما توسم بعضها بالنياشين نظير مشاركته الفعالة في الحرب، وإلى اليوم لا زال الأمريكان يحفظون للبغل الأسترالي كل الجميل.
وكانت هذه الدابة وسيلة نقل رسمية للجيش الإنجليزي، حيث تم استقدام العديد من البغال من أستراليا، واستخدامها خلال الحرب العالمية الأولى لقيادة عربات المدافع، نظرا لما تتمتع به بغال تلك البقاع من قوة التحمل وسرعة الحركة والاستجابة الطوعية لأوامر الجند، وقد تعرف المصريون على هذه البغال “المحترمة” لدى استقدامها إلى مصر والسودان من طرف جيش الاحتلال الإنجليزي، وبقي بعضها في الخدمة في شوارع المحروسة إلى متم عقد الستينيات من القرن الماضي.
ولأن البغل نتاج اختلاط أنساب، بين الحمير والأحصنة، ولكونه ليس “نسلا”، إذ إنه حيوان غير قادر على التوالد، فقد يكون قد انقرض، ولم يعد يذكره أحد، سوى ربما في المهرجان السنوي الذي ينظمه عشاق تسريحة شعر أسترالية ذاع صيتها في الغرب تسمى “البغل”، وهكذا يستمر هذا الحيوان في الخدمة وإن بأشكال أخرى.
لكن، وبتصاريف القدر، أصبح لنا نحن في المغرب أيضا كائننا الأسترالي الخاص، حيث استفقنا صبيحة أمس الإثنين، على وقع خبر تصاحبه صورة، منشور في صحيفة أسترالية، وتناقلته بالجملة وسائل إعلام وطنية ودولية، عن علاقة غرامية تربط بين وزيرة من حكومتنا الموقرة، وبين رجل أعمال أسترالي، وهو أمر لازال في دائرة الشك إلى الآن، نظرا لصعوبة التأكد من صحة ما راج حول العلاقة المفترضة بين وزيرتنا والأسترالي، لكن صمت الوزيرة ووزارتها، وعدم نفي الخبر بشكل قاطع طوال ساعات، غذى بالتأكيد تلك الشكوك، وكاد أن يحولها إلى يقين تتناسل معه الأسئلة حول حدود تلك العلاقة الخاصة المفترضة ومدى تأثيرها على الحياة العامة للمغاربة ومصالح دولتهم السياسية والاقتصادية على الخصوص.
الرد كان يجب أن يكون أولا على العنوان الساخر والمستفز للصحيفة الأسترالية، الذي جاء على الشكل التالي: “أندرو فورست والوزيرة المغربية والكثير من الطاقة المكبوتة”، في إشارة إلى أن السيدة المعنية هي وزيرة الطاقة المغربية.
والرد يجب أن يكون ثانيا على شبهة تضارب المصالح، حيث إن ما رشح من أخبار يفيد بأن رجل الأعمال المذكور قد استفاد من امتيازات توقيع اتفاقيات ذات طابع اقتصادي في بلادنا تحت غطاء علاقته بالوزيرة صاحبة القبلة المفترضة المصورة، وهذا أمر لو كان قد حدث فعلا، يعد بالغ الخطورة ويحمل دلالات وأبعاد عن مدى الاستهتار الذي قد نكون وصلنا إليه في مجال تقدير المسؤولية، وتصور بعض وزرائنا لتلك المسؤولية، واستعمال المناصب لأغراض خاصة عابرة للحدود هذه المرة، وتتحول إلى مصالح فوق “حميمية” نتيجة علاقة “حميمية” نفتها الوزيرة بشكل قاطع مع أي “بغل” أسترالي.