كتب/ هارتس أوري مسعاف
ذهبتُ يوم الثلاثاء إلى الشمال المحترق الذي يتعرض للقصف، عندما أعلن رئيس هيئة الأركان أن “إسرائيل تقترب إلى النقطة التي سيتوجب عليها فيها اتخاذ القرار، [وأن] الجيش جاهز للانتقال إلى الهجوم.” وما حدث، عندما كنتُ أنتظر لقاء ضابط كبير في كريات شمونة، لكن تم تأجيله بسبب الزيارة، هو أنه بعد دقائق، اهتزت المركبة جرّاء انفجارَين، فتوقفتُ على طريق 90 في اتجاه مخيم النازحين الرمزي الذي أقامه سكان الجليل اليائسون عند مفترق عميعاد، فظهر لي الأفق مليئاً بالدخان بسبب الضربات الدقيقة التي وجهها حزب الله إلى ميرون.
أنا لست رئيساً لهيئة الأركان، إنما أنا مجرّد ضابط صغير سابقاً، ومواطن، وصحافي، لكنني أقول للإسرائيليين: لا تصدّقوا هرتسي، فهو يعيش فيلماً. اطلبوا رأياً آخر. إن كلاًّ من الجيش ودولة إسرائيل غير جاهز لحرب رسمية في لبنان ستؤدي إلى دمار كبير في الجليل وهجوم صاروخي ومسيّرات على حيفا ومنطقة الوسط.
لنبدأ بالجيش؛ إن التفوق الوحيد الذي لدينا، نحن الصحافيين، على رئيس هيئة الأركان، هو أننا نتحدّث إلى الجميع: جنود الاحتياط، وجنديات الاحتياط، وأمهات الجنود في الميدان وآبائهم، والضباط الكبار الذين تحرّروا من الخدمة الإلزامية، لكنهم لا يزالون على تواصل مع الواقع والمعلومات.
لذلك، فسأخاطر بقول إن الجيش ليس جاهزاً لحرب أُخرى؛ فبعد 8 أشهر من القتال في غزة وحالة التعبئة في الشمال، فإن موارده مستنزَفة إلى أبعد حد، فمئات المقاتلين قُتلوا، والآلاف منهم أُصيبوا جسدياً ونفسياً، والمنظومة الداعمة والمقاتلة مُنْهَكَةٌ وَمُسْتَنْزَفَةٌ، وهناك أزمة واضحة في الحوافز لدى كثيرين من جنود الاحتياط، منذ استئناف المناورة البرية في غزة، وأيضاً في أواسط الجيش النظامي، كما أن هناك أيضاً نقصاً في الذخيرة والمعدات.
منذ 8 أشهر، وَهُمْ يأمرون سكان الشمال، الذي يتعرض للقصف والإذلال، بأن يخفضوا رؤوسهم لأن الجيش مشغول في غزة. والجيش في وضعه الحالي والكفاءة التي لديه لم يتجهز للقتال في جبهتين، وهذا من دون الأخذ بعين الاعتبار تدخّل الحوثيين في اليمن، والميليشيات الداعمة لإيران في العراق، وحتّى الأردن، واشتعال الضفة الغربية.
لا يوجد أيضاً لدى الجيش رد على المسيّرات المفخخة والقصف الصاروخي، وأيضاً لا يملك حلاً للحرائق التي لا تحتاج إلى قدرات استخباراتية خارقة لتوقّعها. قبل شهر، قمتُ بزيارة صديقة في أييليت هشاحر [كيبوتس في شمال إسرائيل] قالت لي: “انتظر إلى أن تتحوّل الحقول من اللون الأخضر إلى الأصفر، حينها سيتحوّل كل قصف إلى حريق. نحن في حاجة هناك إلى شاحنات وطائرات إطفاء حرائق أكثر مما نحن في حاجة إلى صفوف تأهُب.” هل وصلنا إلى حال بات فيه كل ابن كيبوتس من الحولة يعرف، والحكومة وهيئة الأركان لا تعرف؟
لقد ألقى هليفي خطابه في معسكر غيبور، وبعدها بيوم، وصل نتنياهو إلى هناك أيضاً، وتصوّر مع الخرائط والضباط الكبار، وأعلن: “الأرض تشتعل هنا، لكن أيضاً في لبنان. نحن جاهزون للعمل بقوة.” وفي هذا الأسبوع، سقطت قذيفة بركان تحمل نصف طن من المواد المتفجّرة على موقع “غيبور”، وكان الدمار في المعسكر كبيراً، والزجاج سقط أيضاً في المركز التجاري في كريات شمونة، وضوضاء الانفجار سُمعت جيداً في أنحاء المنطقة التي قامت إسرائيل بإخلائها وتتواجد فيها صفوف التأهب وبعض السكان الذين يعملون هناك أو أصابهم اليأس من الحياة الجميلة في الفندق الذي رتّبته لهم ميري ريغف وزملاؤها في الحكومة بكرم شديد.
سكان الشمال لا يعزّيهم أن يحترق لبنان أيضاً، عندما تسقط عليهم وعلى بقية الإسرائيليين مسيّرات وصواريخ بركان، ونتنياهو أصلاً سيكون في الملجأ، وسيسعد بأن حرباً جديدة اشتعلت، وسيبقى غانتس في الحكومة، وستؤجل الترتيبات في غزة والتحقيقات في إخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر. إن حرب لبنان الثالثة ستكون بمثابة كارثة ثقيلة علينا، وممنوع على رئيس هيئة الأركان الانجرار إليها، إذ إن واجبه هو أن يضمن الأمن لإسرائيل ومواطنيها.
هرتسي على حق؛ فقد وصلنا فعلاً إلى نقطة يجب فيها اتخاذ القرار؛ وقف القتال في الجنوب والشمال، وإعادة الرهائن الأحياء والأموات، ووقف التضحية العبثية بالجنود، وإنقاذ ما تبقّى من الدولة.