في نهاية التسعينات، شهد المغرب حدثًا سياسيًا تاريخيًا عند فوز حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بانتخابات 1997. قام الملك الراحل الحسن الثاني بتعيين المناضل اليساري عبد الرحمن اليوسفي لمنصب الوزير الأول، مما شكل حكومة التناوب التي كانت بمثابة نقطة تحول هامة في الحياة السياسية المغربية. هذا التحول الكبير عكس رغبة في الانفتاح السياسي والإصلاح، وأعطى أملًا كبيرًا للشعب المغربي في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بزوغ الانتهازية السياسية
إلا أن هذا التحول لم يخلُ من سلبيات، حيث ظهر جانب مظلم تجسد في تسلل الانتهازيين إلى الساحة السياسية. فبمجرد تعيين الوزير الأول اليساري، بدأ عدد من السياسيين الذين كانوا منخرطين سابقًا في الأحزاب الإدارية بالالتحاق بحزب الاتحاد الاشتراكي. هؤلاء السياسيون، الذين كانوا يعيشون في فقر مدقع، رأوا في الحزب الجديد فرصة لتحقيق طموحاتهم الشخصية. ترشحوا للجماعات الترابية، وحصلوا على المناصب بسرعة غير مبررة، مما أدى إلى اغتناء البعض منهم بطرق مشبوهة.
تكرار الظاهرة بعد الربيع العربي
تكررت هذه الظاهرة بعد الربيع العربي، حين تصدر حزب العدالة والتنمية انتخابات 2011. قام الملك محمد السادس بتعيين عبد الإله بنكيران رئيسًا للحكومة في ظل الدستور الجديد الذي أقر في نفس العام. ومع هذا التحول، رأينا مرة أخرى السياسيين الانتهازيين يغادرون أحزابهم التقليدية مثل الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، وينضمون إلى حزب العدالة والتنمية. كان الهدف الرئيسي لهؤلاء الانتهازيين هو الحصول على المناصب النيابية والحكومية والاستفادة من الامتيازات المرتبطة بها.
استمرار الانتهازية في 2021
وفي خريف 2021، تكررت الظاهرة مع فوز حزب التجمع الوطني للأحرار بالانتخابات وتعيين عزيز أخنوش رئيسًا للحكومة. شهدنا مرة أخرى انضمام مجموعة من السياسيين الانتهازيين الذين كانوا معروفين بإفساد الحياة السياسية والانتخابية. هؤلاء الانتهازيون، مستفيدين من المال الكثير والدعم الكبير، سيطروا على الحزب الفائز، مما أدى إلى خنق أصوات الأعضاء الحقيقيين وتقليل تأثير الأحزاب الأخرى.
تحليل الظاهرة وتداعياتها
إن تكرار هذه الظاهرة يعكس مشكلة عميقة في النظام السياسي المغربي، حيث أصبح الانتقال بين الأحزاب وسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية بدلاً من خدمة المصلحة العامة. هذه الانتهازية تضر بالمصداقية السياسية وتضعف الثقة في العملية الديمقراطية برمتها. عندما يصبح النضال السياسي مجرد وسيلة للوصول إلى المناصب والثراء، يفقد المواطنون الثقة في ممثليهم وفي إمكانية تحقيق التغيير الحقيقي.
المغزى والدروس المستفادة
إن هذه الظاهرة تطرح تساؤلات جادة حول مدى نزاهة الحياة السياسية ومدى صدق الالتزام السياسي لدى بعض الأفراد. حينما يتحول النضال السياسي إلى وسيلة لتحقيق مصالح شخصية، يفقد المواطن الثقة في العملية السياسية برمتها. لذلك، علينا أن نستخلص بعض الدروس من هذه الظاهرة:
- تعزيز الشفافية والمساءلة: يجب أن تكون هناك آليات فعالة لمراقبة الأنشطة السياسية والمالية للأحزاب والسياسيين. الشفافية في التمويل والمساءلة عن الأفعال تعد أدوات رئيسية لمحاربة الفساد.
- تعزيز الوعي السياسي لدى المواطنين: يجب على المواطنين أن يكونوا أكثر وعيًا وانخراطًا في العملية السياسية. فهم يلعبون دورًا محوريًا في اختيار ممثليهم ومحاسبتهم.
- تعزيز القيم الأخلاقية والسياسية: ينبغي على الأحزاب السياسية أن تعزز من القيم الأخلاقية والسياسية بين أعضائها وأن تضع معايير واضحة للالتزام والمساءلة.
- دعم القيادات النزيهة: من المهم دعم وتشجيع القيادات السياسية النزيهة التي تثبت التزامها بخدمة المصلحة العامة بعيدًا عن المصالح الشخصية.
- التربية على المواطنة: يجب أن تبدأ التربية على المواطنة من المدارس، لتعزيز قيم النزاهة والشفافية والمسؤولية بين الأجيال القادمة.
في النهاية، يمكننا القول إن النضال السياسي يجب أن يكون من أجل مصلحة الوطن والمواطنين، وليس وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية. تحقيق هذه الأهداف يتطلب تضافر الجهود من جميع فئات المجتمع، بدءًا من الأفراد وصولًا إلى المؤسسات. فقط من خلال الالتزام الجماعي يمكننا بناء مجتمع عادل وشفاف يسوده القانون والنزاهة.