بقلم/ د. حسن الجامعي
أصبح الغلاء صناعة مؤسَّسة وليس واقعا ناتجا عن عوامل موضوعية واضحة تفرض نفسها على المجتمع ، المتأمل في ظاهرة الغلاء يرى خيوطا ينسجها أرباب السياسة الذين تتقاطع سياستهم مع المصالح المالية والاقتصادية الذين هم اربابها كذلك للأسف.
رجل المال والاقتصاد لا تسند إليه السياسة وتسلم له مفاتيح الدولة إلا حولها لمحل تجاري كبير، يصبح فيها المواطن زبونا ومقدرات البلد وثرواتها سلعة بين يديه ، وهذا هو الخطر بعينه، لأنه لا يرى سوى مزيدا من الأرباح والمداخيل لحظيرته الشخصية، كيف لا وقد مُكن من كل الآليات والسلطات والقطاعات الحيوية الحساسة ليلعب فيها لعبة التاجر المطلق ، ناهيك عن تطويع المؤسسات الرقابية وتعديل قوانينها وترهيب رجالاتها لتعطيل دورها المحاسباتي وتجميد اختصاصها في رصد الاختلالات ومحاصرة الفساد لتصبح مجرد هيئات ومؤسسات محنطة ليس لها من دور سوى وقع أسمائها الرنانة.
لصناعة الغلاء ومأسسته أهداف كثيرة لن نخوض في تفاصيلها، ونكتفي بواحدة بمناسبة عيد الأضحى، فالظاهر أن ارتفاع أثمنة الأضحية الخيالي بما يفوق كل التوقعات هذه السنة ليس له تفسير سوى ما ذكرناه من أنه غلاء مصطنع مقصود يهدف أولا إلى ديمومته بمعنى ترسيخ هذا الغلاء وجعله أمرا واقعا( مثل أثمنة المحروقات )، وبالتالي لا يتوقع عودة الأثمنة إلى مستواها الطبيعي في السنوات القادمة، مما يهدف إلى إعادة ضبط مكانة شعيرة الأضحية في الوجدان الجمعي للمغاربة، وتشكيل وعي جديد أساسه الزهد وفقدان الاهتمام بها بمرور الأعوام، ومهما كثر الانتقاد من تحول الأضحية لدى كثيرين إلى طقس اجتماعي ومناسبة للتهافت على الأضاحي باعتبارها فرصة لإثبات الذات الاجتماعية، إلا أن الأبعاد الروحية والإيمانية وحضور التآزر والتكافل الاجتماعي وشيوع قيم الإسلام بين الناس بسبب هذه المناسبة مازال طاغيا يؤدي أدواره التربوية والروحية في المجتمع ويحمي كيانه ويحفظ هويته الإسلامية.
هذه الخاصية العجيبة لهذه الشعيرة بهذه الأبعاد الدينية رغم كل الملاحظات والاختلالات تغيظ التيار المعادي للدين ويرى فيها تهديدا لكل السياسات الممنهجة للقضاء على روح الإسلام وقيمه وشعائره في نفوس المغاربة، فكان لا بد من نهج سياسة تأسيس الغلاء لتطال الأضحية كذلك بهدف قتل هذه الشعيرة في النفوس مع مرور الوقت ،والمراهنة في ذلك على الجيل الناشئ الذي خفت لديه تعظيم الشعائر بشكل ملحوظ. هل ينجح المخطط؟ الله أعلم.