أخبارالعالم

هل أصبحت أوروبا تحت رحمة الكريملين ؟

منذ سنة 2009، كانت دول القارة العجوز تعتقد أن الدبلوماسية يمكن أن تحتوي الطموح الروسي، وأن بعص المساعدات التي قدمها الإتحاد الأوروربي لأوكرانيا، يمكن أن تجلب الاستقرار للمنطقة، ولكن تسلسل الأحداث أثبت عكس ذلك.

فباتت روسيا الأن تمثل التهديد الأكبر لأمن أوروبا، فلطالما كانت تخمينات الأوروبيين و الأمريكيين لا تتعامل بجدية مع الصعود العسكر الروسي، وليس هناك يقين بشأن التوقيت الذي أدرك فيه الأوروبيون هذه الحقيقة،الا بعد بدأ غزوها لأوكرانيا.

كانت نقطة البداية سنة 2008 ضد جورجيا، ثم ضم شبه جزيرة القرم سنة 2014، كما دعمت روسيا للإنفصاليين في شرق أوكرانيا، وصولا للتصعيد الحالي ضد أوكرانيا المتمثل في حشد روسيا 130 ألف جندي على الحدود الأوكرانية، والتهديدات المباشرة بالغزو العسكري. و لأول مرة تتلقى أوروبا إنذارا روسيا منذ أزمة برلين(1958-1961)،ويبدو أن روسيا تسعى إلى إعادة صياغة كاملة للترتيبات الأمنية الأوروبية، كما تسعى للحصول على ضمانات جديدة، من شأنها منح اليد العليا لموسكو في المعادلة.

ومنذ وصول “فلاديمير بوتين” إلى الحكم، سنة 2000،إعتمدت روسيا في مقاربتها تجاه أوروبا على ميزان قوتها العسكرية، حيث بدأ في تحديث نظامه العسكري الذي أسفر عن تحسين القدرات العسكرية التقليدية لروسيا، والتوسع في إجراء التدريبات العسكرية في المناطق المتاخمة لأوروبا، وفي بعض الحالات نفذت موسكو مناورات خاطفة دون إشعار مسبق للأوروبيين.

وأظهرت روسيا نواياها من خلال تجاهلها “إتفاقية القوات المسلحة التقليدية في أوروبا”، والتي وضعت في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، وهدفت إلى وضع حدود على فئات رئيسية من المعدات العسكرية التقليدية في أوروبا “من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال” وأجبرت أطرافها على تدمير كميات الأسلحة الزائدة عن الحدود المنصوص عليها، إلا أن روسيا علقت مشاركتها في المعاهدة في سنة2007، قبل أن تنسحب منها بشكل كامل في مارس 2015، بعد عام واحد من ضم شبه جزيرة القرم.

و لا يزال البعد  النووي في العلالقات الأمنية بين روسيا وأوروبا حاسما،حيث تلعب الأسلحة النووية دورا مهما في التفكير الإستراتيجي الروسي، وتشير أحدث النشرات النووية الروسية، التي صدرت سنة 2020، إلى أن الحكومة الروسية تعتبر الأسلحة النووية وسيلة ردع حصرية.

وجاء في نفس النشرة عدة شروط يمكن لموسكو بموجبها استخدام الأسلحة النووية، بما في ذلك تأكيد هجوم صاروخي باليستي قادم ضد روسيا أو حلفائها، أو استخدام الأسلحة النووية أو أسلحة الدمار الشامل الأخرى ضد روسيا أو حلفائها، أو الهجوم على المواقع التي من شأنها تهديد قدرة روسيا على الرد بأسلحة نووية، أو هجوم على روسيا بالأسلحة التقليدية من شأنه أن يعرض وجود الدولة للخطر.

وصدر تقرير أمريكي في سنة 2018 يقول بأن روسيا تستخدم التهديد بالتصعيد النووي، من أجل فرض شروطها السياسية على أوروبا والمعسكر الغربي، أو بمعنى آخر السيطرة على أدوات “التصعيد والهيمنة” خلال جميع مراحل المواجهة مع الغرب.

وعملت موسكو على تطوير أنظمة تسليحية جديدة عابرة للقارات، مثل المركبات الانزلاقية حاملة الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، وصواريخ كروز المسلحة نوويا، والتي تعمل أيضا بالطاقة النووية، كما أثبتت موسكو تفوقها في الأنظمة المزدوجة، التي يمكن تسليحها بأسلحة نووية أو تقليدية؛ إذ طورت صاروخ كروز أرضي من طراز 9M729 (SSC8)، والذي أكدت الولايات المتحدة أنه ينتهك معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، فهو يمنح روسيا القدرة على تهديد نقاط مهمة لحلف الناتو، “نوويا،” مثل الموانئ والمطارات التي تعد حاسمة بالنسبة للحلف.

فقد تنجح الحلول الدبلوماسية في حماية أوكرانيا من الغزو الروسي، ولكن ليس من المرجح أن تنقذ الأمن الأوروبي على المدى البعيد، إذ أن معظم الإتفاقيات التي أبرمتها روسيا مع الغرب في التسعينيات صارت حبرا على ورق، وأصبحت البنية الأمنية الأوروبية في مهب الريح، وبدا واضحا أن التصعيد الروسي الحالي في أوكرانيا، ما هو إلا محاولة للإستثمار في ضعف الاتحاد الأوروبي وتركيز واشنطن على المحور الآسيوي، وذلك لفرض الاشتراطات الروسية على بنية الأمن في أوروبا.

ولحدود كتابة هذه الأسطر لا زالت موسكو تطالب بالحصول على ضمانات قانونية بعدم توسع الناتو شرقا، و عدم نشر أسلحة بالقرب من الحدود الروسية، ويرى بعض الخبراء أن روسيا تربط إستقرار الأمن الأوروبي بهيمنتها العسكرية على شرق أوروبا.

لهذا نجد بعض الأصوات تنادي باستخدام القوة العسكرية، بوصفها الحل المناسب للتعامل مع منطق القوة لدى روسيا، وأنه لا جدوى من استخدام الدبلوماسية، فالقدرة على الردع العسكري شرط مسبق لاستخدام الأداة الدبلوماسية بنجاح مع شخصية مثل بوتين، وهو درس تعلمه الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان”، في مرحلة سابقة، وذلك عندما تحدَى القوات العسكرية الروسية في سوريا، حين قام بإسقاط طائرة مقاتلة روسية، وقاتل وكلاء موسكو العسكريين في إدلب وليبيا، ونتيجة لذلك، كان قادرا على الانخراط في دبلوماسية فعالة مع بوتين والتوصل إلى صفقات وحلول عادلة معه.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button