ما فتئت قضايا حقوق الإنسان بمخيمات الصحراويين بمنطقة تندوف جنوب غربي الجزائر تثير تساؤلات جادة على مستوى الحماية والوقاية من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ونقاش ومتابعة ورصد ما يتعرض له الصحراويون باستمرار في تلك المنطقة من عمليات قتل عشوائي من قبل عناصر أمن تنظيم البوليساريو ووحدات الجيش الجزائري واختطاف واختفاء قسري وتعذيب وغيرها من المعاملات المسيئة والحاطة من الكرامة.
و في نفس السياق، نظمت بجنيف فعاليات مدنية حلقة نقاشية بتنسيق من “المجموعة الدولية للدبلوماسية المدنية”، على هامش أشغال الدورة السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، تمحور موضوعها حول حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين، وتيسير السيد بيدرو إغناسيو ألتاميرانو Pedro Ignacio Altamirano ، أستاذ العلوم السياسية ورئيس “مؤسسة ألتاميرانو”، بحضور ومشاركة ثلة من الخبراء والباحثين لمناقشة التحديات الحاسمة أمام تحقق حماية حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين، وعلى رأسها إشكالية تجنيد الأطفال في مناطق النزاعات واللجوء، مثل عمليات التجنيد القسري التي تقع بمخيمات تندوف.
إن التطرق لموضوع تجنيد الأطفال، في معزل عن استيقاء اراء متدخلين كثر من مختلف المشارب الفكرية والقانونية والمدنية والبحثية لتحصيل مقاربة موضوعية وشاملة للمشكلة، واسترشادا لذلك الامر، افتتحت جوديت سيغاراJudit Segarra، ممثلة جمعوية إسبانية، المناقشات بالحديث عن الآثار الأخلاقية والنفسية على أطفال الحرب،وأضافت: “إن أطفال النزاع، وخاصة في مخيمات تندوف، هم الضحايا الأكثر ضعفا وحقوقهم الأساسية، مثل الأمن والتعليم، تُنتهك بانتظام”.
وسلطت سيغارا الضوء على الآثار العميقة للعنف على التطور الأخلاقي لهؤلاء الأطفال، مضيفة: “إن المعضلات الأخلاقية التي يواجهونها يمكن أن تعيق تطورهم الأخلاقي، مما يخلق تنافرًا بين قيمهم الجوهرية والحقائق الوحشية التي يعيشونها”.
وأصر دانييل هاينرDaniel Haener، الدبلوماسي السويسري السابق، على ضرورة رد أوروبا على تجنيد الأطفال، وقال “يجب على أوروبا، التي عانت من حروب سابقة، أن تدرك الخطر الذي يمثله الجنود الأطفال على الأمن، ومن الضروري اتخاذ تدابير لمنع هذه الآفة”.
ووصف ماتيو دومينيتشيMatteo Dominicci، العالم السياسي ومستشار العلاقات الدولية، في حديث عبر الفيديو، أطفال الحرب بأنهم “سرطان عالمي”. وحذر من تزايد عدد الجنود الأطفال في منطقة الساحل وتندوف. وشدد على أنه “أمام اللامبالاة الدولية، فإن هذا الوضع يتطلب استجابة عاجلة ومنسقة لحماية الأجيال القادمة وإحلال السلام الدائم”.
فيما أعرب مولاي لحسن الناجي، رئيسالهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والأمين العام للمركز الدولي لمنع تجنيد الأطفال بالداخلة، عن قلقه بشأن مخيمات تندوف. وأضاف “أن مخيمات تندوف تؤوي آلاف الصحراويين المغرر بهم منذ سبعينيات القرن الماضي، وتتعرض حقوقهم الأساسية، مثل الحق في الحياة والسلامة الجسدية، لانتهاكات خطيرة.
كما سلط الناجي الضوء على القيود المفروضة على حركة هؤلاء الصحراويين، مما يحد من وصولهم إلى الفرص الاقتصادية ويساهم في عزلتهم الطويلة، واختتم كلمته بالدعوة إلى التطبيق الصارم للقانون الإنساني الدولي لحماية اللاجئين.
وخلص المتحدث إلى أنه “يجب معالجة الوضع في مخيمات تندوف والقضية الأخطر والمتعلقة بتجنيد الأطفال في أفريقيا بأقصى قدر من الاستعجال والفعالية”، من خلال رفع مستوى الوعي والدعوة إلى تنفيذ القانون الإنساني الدولي واتخاذ خطوات ملموسة لحماية حقوق اللاجئين والأطفال بشكل خاص، للتوصل الى إجراءات وتدابير عملية وملزمة لإنهاء هذه الانتهاكات الفظيعة وضمان مستقبل أكثر إشراقا للجميع.”
ووصف بيدرو إغناسيو ألتاميرانو مخيمات تندوف، ب “مراكز الاعتقال غير القانونية”، وندد بالانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحرمان من الجنسية، والاستغلال العسكري للسكان، بما في ذلك تجنيد الأطفال، وحالات الاستعباد الجنسي. وقال: “من المهم أن يعترف المجتمع الدولي بمخيمات تندوف كأماكن احتجاز غير قانوني وأن يتخذ التدابير اللازمة لضمان احترام حقوق الإنسان لقاطنيها”.
كما سلط ألتاميرانو الضوء على الغموض الذي يحيط بتوزيع المساعدات الدولية، مشككا في استخدامها بشكل عادل ودعا إلى توخي الشفافية لضمان أن تعود تلك المساعدات بالنفع على مستحقيها من الصحراويين المحتجزين بالمخيمات.
و تأكد من خلال النقاشات ثبوت المسؤولية الجماعية للمجتمع الدولي لحماية الفئات الأكثر هشاشة وضمان عدم إقحام المزيد من الأطفال في النزاعات المسلحة وتحمل أعبائها، ودعا الخبراء بصوت واحد إلى اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء هذه الممارسات المدمرة وتعزيز السلام والأمن للأجيال القادمة.