- خالد البوهالي محلل مختص في الشأن الروسي
أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أنّ مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي لا تحظى بإجماع الدول الأعضاء في الحلف، وبالتالي لن يتمّ توجيه الدعوة لها في قمة الحلف التي ستنعقد في الفترة ما بين 09 و11 تموز/يوليو الجاري في العاصمة الأميركية واشنطن.
من الناحية المبدئية، يبدو أنّ أعضاء الحلف منسجمون مع العديد من القواعد والشروط التي وضعها الحلف عند تأسيسه في العام 1949، لمن يريد الانضمام إليه، منها الموافقة بالإجماع من لدن أعضائه على قبول عضوية جديدة لدولة أوروبية، إضافة إلى ذلك أن تكون الدول الراغبة في الانضمام مستقرة سياسياً وليست في حالة حرب، حتى لا يضطرّ الحلف إلى تفعيل البند الخامس من الوثيقة التأسيسية له، التي تنصّ على أن “أعضاء الحلف يتّفقون على أنّ أيّ هجوم مسلّح ضدّ واحدة من الدول أو أكثر منها في أوروبا أو أميركا الشمالية يعدّ هجوماً ضدّ كلّ الدول”. وبالتالي سيكون مُجْبَراً على خوض مواجهة عسكرية، هو في غِنىً عنها خصوصاً مع خصم قوي من حجم روسيا الاتحادية.
وتجدر الإشارة إلى أن قضية انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ليست جديدة، بل كانت مطروحة على عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج وولكر بوش، الذي أعلن بمناسبة انعقاد قمة الناتو ببوخاريست في 04 نيسان/أبريل 2008، إمكانية أن تصبح أوكرانيا وجورجيا ذات يوم عضوين في حلف الناتو، في إطار سعي الأخير للتمدّد أكثر نحو الحدود الروسية في مسعى لتطويق روسيا جيوسياسياً، وكان التصوّر السائد حينها لدى الإدارة الأميركية أن روسيا “دُبٌّ من ورق” وليست بالقوة التي تجعله يُقْدِمُ على القيام بردة فعل، وكأنّ روسيا ما زالت تعيش حقبة الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين. فكان الردّ الروسي على الغرب صاعقاً في حرب جورجيا.
لكن السؤال الأهمّ، هل الدول الغربية جادَّةٌ فعلاً بخصوص انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، أم أنّ الأمر لا يعدو خدعة انطلت على الأوكرانيين لِدَفْعِهِمْ إلى الحرب ضد الروس؟
إذا تمعّنا في التصريحات الغربية قبل وخلال الصراع، نجدها تشير دائماً إلى عبارة غامضة ومبهمة هي “أنّ الانضمام سيحدث يوماً” من دون تحديد سقف زمني لذلك، وفي كلّ مرة كان يسافر فيها الرئيس فلوديمير زيلينسكي إلى دول الغرب يمنحه زعماؤها جرعة أمل خادعة بخصوص هذا الموضوع، لدرجة أن زيلينسكي قال في أحد تصريحاته عقب زيارة لواشنطن قبل اندلاع الحرب بشهور، إنّ لديه إحساساً بأنّ قبول بلاده عضواً في حلف الشمال الأطلسي بات وشيكاً، وزاد من تأكيده ذلك في كلمة له أمام حشد بجمهورية ليتوانيا في تموز/يوليو من السنة الماضية، وهو الأمر الذي فنّده بعد ذلك بأيام قليلة الرئيس الأميركي جو بايدن بتصريحه القائل بأنه لن يُذلّلَ العقبات التي تحول دون انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو ما أكده تصريح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ بأنّ انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي غير ممكنة لأنها غير متمتعة بالسيادة.
ورغم إلحاح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي أكثر من مرة على الغرب بمنحه إشارة واضحة في ما يخصّ الانضمام إلى حلف الناتو، إلا أن هذا المسعى لا يحظى بأهمية كبرى لدى أعضاء الحلف، لأن الأمر لا يعدو كونه خدعة يتلاعب بها القادة الغربيون مع الأوكرانيين، لِجَرِّهِمْ إلى المواجهة العسكرية مع موسكو، من أجل استنزاف الأخيرة وتحطيمها، والمؤسف أن ثمنها يدفعه أبناء الشعب الأوكراني الذين وجدوا أنفسهم أداة لتحقيق هدف الغرب النهائي المتمثّل في رؤية روسيا ضعيفة ومحطّمة يستغلّها جيرانها كما يقول المفكّر الاستراتيجي الأميركي زبيغينيو بريجنسكي في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى”.
ما لا يفهمه النظام الأوكراني، أنه في حال خسارته الحرب أمام روسيا سيكون أول شروط التفاوض، تعهّد خطي بعدم انضمام أوكرانيا للناتو نهائياً، وعدم إجراء أي تعديل دستوري يشمل الفقرة الأخيرة من المادة الـ 17 من الدستور الأوكراني المعدل سنة 2014 المتعلّقة بحظر إقامة القواعد العسكرية الأجنبية على الأراضي الأوكرانية، وستكون القيادة الأوكرانية حينئذ مرغمة على قبول الشرط الروسي، وهو ما يعني عملياً إبقاء أوكرانيا في دائرة الحياد الذي كان سائداً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى حدود العام 2014.
وفي هذه الحالة، سيجد القادة الأوكرانيون أنفسهم أكبر الخاسرين، بعد أن اسْتُنْزِفُوا اقتصادياً وعسكرياً وبشرياً وفقدوا مناطق حيوية كانت خاضعة لهم لصالح روسيا، عُدّتْ يوماً شريان الاقتصاد الأوكراني، بعد أن ورّطهم الغرب في صراع لا قبل لهم به، وَرَهَنُوا مستقبل بلادهم لعقود طويلة للمؤسسات المالية الدولية والدول المانحة بسبب الديون المتراكمة عليها الناجمة عن المساعدات الغربية الهائلة المقدّمة لهم، بحسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين.
إن السياسة الخارجية للدول الغربية تتسم بالميكيافيلية منذ الأزل، إذ لا تمتثل لأيّ التزام أخلاقي أو سياسي مع غيرهم اللّهم فيما بينها، منها النكوص بالوعود والتنصّل منها وإعطاؤها تفسيرات أخرى والتضحية بحلفائها، متى رأت في ذلك مصلحة لها، اللهم إذا كان للطّرف الآخر ما يساومها به فيدفعها مُذْعِنَةً إلى الوفاء بما تعهّدت به.
ختاماً إنّ الغرب يتلاعب بأوكرانيا في مسألة الانضمام إلى الناتو، ولا يعنيه سقوط الضحايا من العسكريين الأوكرانيين بقدر ما تهمه مصالحه المتمثّلة في إضعاف روسيا، عبر مواصلة الحرب حتى آخر جندي أوكراني، لكن متى سيقتنع الأوكرانيون بعدم جدوى الوعود الغربية؟ الأيام المقبلة تملك الإجابة.