يشهد العالم اليوم تحولًا رقميًا غير مسبوق، مدفوعًا بتطورات سريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، ويُعد الذكاء الاصطناعي من أبرز التطورات التقنية التي شهدها القرن الحادي والعشرون. يقول الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي أستاذ المعهد العالي للاعلام والاتصال مهدي عامري “مع تزايد استخدام الروبوتات وأنظمة الأتمتة، هناك قلق متزايد بشأن فقدان العمال لوظائفهم التقليدية”. وتشير دراسة إلى أن 800 مليون وظيفة قد تُستبدل بالتكنولوجيا بحلول العام 2030.” مردفا “يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء ونشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة على نطاق واسع”. وهو ما يهدد سلامة صدقية المعلومة وخطورتها على الأمن والسلام المجتمعي والدولي.
في الحوار التالي يغوص الخبير مهدي عامري في شبكة الذكاء الاصطناعي ويحلل تعقيداتها وآفاقها، ومدى تأثيرها على حياة الناس، وعلى استراتيجيات الحكومات في مختلف المجالات.
بداية دكتور مهدي عامري، حدثنا عن هذا الوافد الجديد، الذكاء الاصطناعي ، وأنت الخبير في المجال؟
بدايةً، يُعد الذكاء الاصطناعي من أبرز التطورات التقنية التي شهدها القرن الحادي والعشرون، حيث أدخل تغييرات جذرية في العديد من المجالات. و يشمل ذلك الطب، التعليم، الصناعة، الإعلام، وحتى الفنون. وبصفتي خبيرًا في الذكاء الاصطناعي و أستاذا باحثا في التواصل و التحولات الرقمية، أود أن أسلط الضوء على بعض الجوانب الإيجابية والسلبية لهذا التقدم التكنولوجي، مع تقديم أمثلة واقعية لتعزيز الفهم.
يشهد العالم تطورًا هائلًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مما أحدث ثورة في العديد من القطاعات، ولعل أبرزها قطاع الرعاية الصحية. فقد أدى الذكاء الاصطناعي إلى تحسين الرعاية الصحية من خلال تطوير أدوات تشخيصية دقيقة وتحليل البيانات الضخمة. على سبيل المثال، تُستخدم الخوارزميات المتقدمة لتحليل صور الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي، مما يساعد في الكشف المبكر عن الأمراض مثل السرطان.
ومن الأمثلة البارزة في هذا السياق شركة آي بي إم واتسون هيلث التي طورت نظامًا يمكنه تقديم توصيات علاجية بناءً على تحليل شامل للسجلات الطبية. وفي مجال التعليم، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتوفير تجارب تعليمية مخصصة للطلاب. من خلال تحليل بيانات الأداء الأكاديمي، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي مثل كورسيرا ودوولينجو تحديد نقاط القوة والضعف لدى الطلاب وتقديم محتوى تعليمي يناسب احتياجاتهم الفردية، مما يعزز من فعالية التعليم ويجعل العملية التعليمية أكثر كفاءة وتكيفًا. أما في الصناعة، فإن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا كبيرًا في تحسين عمليات الإنتاج وزيادة الكفاءة.
و تُستخدم الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي في خطوط التجميع لتقليل الأخطاء وتحسين جودة المنتجات، وأبرز مثال على ذلك شركة تيسلا التي تعتمد بشكل كبير على الروبوتات الذكية في تصنيع سياراتها الكهربائية. وفي مجال الإعلام والترفيه، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة وفهم توجهات الجمهور.
فتطبيقات نتفليكس وسبوتيفاي على سبيل المثال تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات موجهة للمستخدمين بناءً على تفضيلاتهم، مما لا يقتصر فقط على تحسين تجربة المستخدم، بل يساهم أيضًا في زيادة مبيعات المحتوى الرقمي. لكن في مقابل هذه الفوائد، يواجه الذكاء الاصطناعي العديد من التحديات السلبية.
وأحد أكبر هذه التحديات هو فقدان الوظائف. فمع تزايد استخدام الروبوتات وأنظمة الأتمتة، هناك قلق متزايد بشأن فقدان العمال لوظائفهم التقليدية. و في هذا السياق هناك دراسة لمؤسسة ماكينزي تشير إلى أن ما يصل إلى 800 مليون وظيفة قد تُستبدل بالتكنولوجيا بحلول عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، يطرح الذكاء الاصطناعي تحديات أخلاقية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالخصوصية واستخدام البيانات. فأنظمة المراقبة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل تلك المستخدمة في الصين لمراقبة السكان، أثارت جدلاً حول حدود الخصوصية الفردية وحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، يمكن أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي متحيزة إذا كانت البيانات التي تُدرب عليها منحازة.
و أبرز مثال على ذلك هو نظام التعرف على الوجوه الذي أظهر تمييزًا ضد الأشخاص ذوي البشرة الداكنة. و لعل هذا المثال يعكس التحيزات الموجودة في البيانات المستخدمة في تدريب هذه الأنظمة، مما يستدعي ضرورة اتخاذ تدابير لضمان الشفافية والعدالة في تصميم الخوارزميات. ومع تزايد اعتمادنا على أنظمة الذكاء الاصطناعي، يتضاعف أيضًا خطر الهجمات السيبرانية. فتقنيات الهجوم المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها أن تصبح أكثر تعقيدًا وصعوبة في الكشف عنها، مما يتطلب تعزيز الجهود في مجال الأمن السيبراني لحماية البيانات والنظم.
في نظركم، هل الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يغير من خصوصيات المجتمعات ويقلب التوازنات المجتمعية والتربوية رأسا على عقب؟
يشهد العالم اليوم تحولًا رقميًا غير مسبوق، مدفوعًا بتطورات سريعة في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تظل هناك مخاوف وترددات كبيرة حيال تبني هذه التكنولوجيا في العديد من المجتمعات. و هذا التردد ينبع من مجموعة متنوعة من العوامل الثقافية والاقتصادية والتقنية، وكل منها يلعب دورًا في تشكيل وجهة نظر الأفراد تجاه الذكاء الاصطناعي. في هذا السياق، يمكننا استعراض الأسباب الكامنة وراء هذه المخاوف والترددات، بالإضافة إلى تقديم استراتيجيات للتعامل معها والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين المجتمع والاقتصاد.
أولاً، يجب أن نفهم أن الخوف من المجهول هو شعور طبيعي لدى البشر. فالذكاء الاصطناعي، بقدرته على تغيير الوظائف والأسواق والبنية الاجتماعية، يمثل تهديدًا محتملاً لأولئك الذين يشعرون بعدم الأمان في ظل التحولات السريعة. يتخوف الكثيرون من فقدان وظائفهم لصالح الآلات الذكية، ويرون أن هذا التطور يمكن أن يؤدي إلى زيادة البطالة وانخفاض فرص العمل.
بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق متزايد بشأن الخصوصية والأمان، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجمع كميات هائلة من البيانات الشخصية ويستخدمها بطرق غير متوقعة.
ثانيًا، هناك حاجز ثقافي يلعب دورًا كبيرًا في التردد حيال تبني الذكاء الاصطناعي. في بعض المجتمعات، يُنظر إلى التكنولوجيا الجديدة بعين الريبة وعدم الثقة. يعتبر البعض أن هذه التكنولوجيا تتعارض مع القيم والتقاليد المجتمعية، مما يجعلهم يترددون في قبولها. هذا التردد الثقافي يعززه نقص الوعي والمعرفة حول فوائد الذكاء الاصطناعي وإمكانياته. بدون فهم واضح لكيفية عمل الذكاء الاصطناعي والفوائد التي يمكن أن يجلبها، يظل الناس حذرين وغير متحمسين لتبنيه.
ثالثًا، هناك عوائق اقتصادية تحول دون تبني الذكاء الاصطناعي. يتطلب اعتماد هذه التكنولوجيا استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتعليم والتدريب. العديد من الدول النامية تواجه تحديات اقتصادية تجعل من الصعب تخصيص الموارد اللازمة لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي. بدون دعم مالي وتقني مناسب، تصبح عملية تبني الذكاء الاصطناعي بطيئة وغير فعالة.
لكسر هذه الحواجز، هناك عدة خطوات يمكن اتخاذها لتعزيز قبول الذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل فعال:
أولاً، من الضروري توفير برامج تعليمية وتوعوية لتعريف الناس بماهية الذكاء الاصطناعي وفوائده.
يجب أن تتضمن هذه البرامج معلومات حول كيفية عمل الذكاء الاصطناعي والتطبيقات العملية له في الحياة اليومية والعمل. يمكن للندوات وورش العمل والدورات التدريبية أن تلعب دورًا كبيرًا في نشر المعرفة وزيادة الوعي.
ثانيًا، يجب أن يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة تساعد البشر بدلاً من أن تحل محلهم. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم لتحسين الإنتاجية وزيادة الكفاءة دون أن يؤدي إلى فقدان الوظائف. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتولى المهام الروتينية والمتكررة، مما يتيح للموظفين التركيز على الأعمال الأكثر إبداعًا واستراتيجية.
ثالثًا، يجب على الحكومات أن تلعب دورًا محوريًا في تشجيع تبني الذكاء الاصطناعي. يمكن ذلك من خلال تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتوفير الدعم المالي والتقني للمؤسسات التعليمية والبحثية التي تعمل في هذا المجال.
كما يمكن للحكومات أن تضع سياسات وتشريعات تحمي حقوق العمال وتعزز الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا.
رابعًا، يجب دعم البحوث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي لتطوير تقنيات جديدة وتحسين الأداء. يمكن للجامعات والمؤسسات البحثية أن تلعب دورًا كبيرًا في هذا المجال من خلال إجراء الدراسات والأبحاث التي تسهم في تطوير الذكاء الاصطناعي وتحقيق الفوائد المرجوة منه.
خامسًا، يمكن أن يساعد التعاون بين الدول على تبادل المعرفة والخبرات في مجال الذكاء الاصطناعي.
يمكن للدول المتقدمة أن تقدم الدعم الفني والتقني للدول النامية، مما يسهم في تسريع عملية تبني الذكاء الاصطناعي وتحقيق التوازن في التنمية العالمية.
سادسًا، يجب تشجيع الشركات الناشئة ورواد الأعمال على تطوير حلول مبتكرة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
يمكن للحاضنات والمسرعات التكنولوجية أن توفر البيئة المناسبة للشركات الناشئة لتنمو وتزدهر، مما يعزز من الابتكار ويزيد من فرص النجاح في هذا المجال.
سابعًا، يجب أن تُؤخذ المخاوف الأخلاقية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي بجدية.
يمكن وضع إطار أخلاقي يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق تحترم حقوق الإنسان وتحمي الخصوصية.
يمكن ذلك من خلال تشكيل لجان أخلاقية وتطوير سياسات واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتضمن الشفافية والمساءلة.
ثامنًا، من المهم أن يكون الأفراد والمجتمعات قادرين على التكيف مع التغيرات التي يجلبها الذكاء الاصطناعي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير برامج تدريبية وتعليمية تساعد الناس على اكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع التكنولوجيا الجديدة.
يجب أن يكون هناك دعم مستمر للموظفين لتحديث مهاراتهم وتعلم تقنيات جديدة تتوافق مع متطلبات سوق العمل المتغير. لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمعات، ولكنه أيضًا يحمل في طياته فرصًا هائلة لتحسين الحياة وزيادة الكفاءة والابتكار. من خلال فهم المخاوف والتحديات المرتبطة بتبني هذه التكنولوجيا والعمل على تجاوزها، يمكن للمجتمعات أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي وتصبح جزءًا من الثورة الرقمية العالمية بدلاً من البقاء على الهامش.
وختاما، يجب علينا أن نتبنى العقلية المفتوحة والمرنة للتكيف مع التحولات التكنولوجية، مع التأكيد على أهمية القيم الأخلاقية والإنسانية في كل خطوة نخطوها نحو المستقبل.
ما هي مخاطر الذكاء الاصطناعي في تغطيات الأحداث اليومية لوسائل الاعلام العالمية، هل في نظركم يمكن أن يسهم في تعزيز نقل الأخبار الزائفة؟
يمكن أن تؤدي استخدامات الذكاء الاصطناعي في تغطيات الأحداث اليومية إلى مجموعة من المخاطر المتنوعة.
و من أبرز هذه المخاطر التحيزات والخوارزميات غير العادلة، حيث يمكن أن تعزز الخوارزميات التحيزات الموجودة إذا لم تكن مصممة بشكل محايد، مما يؤدي إلى تغطيات غير عادلة أو منحازة للأحداث.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء ونشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة على نطاق واسع، مما يعقد من جهود التثبت من الحقائق ويؤثر سلبًا على الجمهور.
هناك أيضًا خطر فقدان الوظائف بسبب الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، مما يقلص دور الصحفيين والمحررين البشر ويؤثر على فرص العمل في القطاع الإعلامي. و يمكن أن تكون عملية اتخاذ القرارات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي غير شفافة، مما يصعب على الجمهور فهم كيفية جمع الأخبار وتحريرها وتقديمها. يؤدي الاعتماد الزائد على التكنولوجيا إلى تقليل دور الإبداع البشري والتفكير النقدي في صناعة الإعلام.
كما يمكن أن ينتهك استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات خصوصية الأفراد، خاصة إذا تم جمع البيانات دون موافقة واضحة.
تتضمن المخاطر الأخرى أخطاء في التعرف على الأنماط أو تحليل البيانات، مما قد يؤدي إلى نشر معلومات غير دقيقة أو مضللة، بالإضافة إلى التلاعب بالرأي العام من خلال تعديل محتوى الوسائط الاجتماعية أو التحكم في انتشار المعلومات.
هناك أيضًا تهديدات أمنية تتعلق بإمكانية تعرض الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي للاختراقات السيبرانية، مما قد يؤدي إلى تسريب معلومات حساسة أو التلاعب بها. لمواجهة هذه المخاطر، ينبغي على المؤسسات الإعلامية والمجتمع وضع سياسات وإجراءات تضمن استخدامًا أخلاقيًا ومسؤولًا للذكاء الاصطناعي في الإعلام، تشمل الشفافية والمساءلة والتدقيق المستمر في الخوارزميات.
هل الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يؤثر في الإبداع الأدبي ويحكم على المبدعين الحقيقيين بالموت السريري ؟
لعل استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبداع الأدبي يمكن أن يؤدي إلى نتائج متباينة تتراوح بين الإيجابية والسلبية. من جهة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز العملية الإبداعية من خلال توفير أدوات جديدة للمبدعين لتحسين أعمالهم. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في توليد أفكار جديدة، تحسين النصوص، وتقديم مقترحات لتحسين الحبكة أو تطوير الشخصيات.
كما يمكن أن يسهم في تحليل الأعمال الأدبية وفهم الأنماط والأساليب الأدبية بشكل أعمق، مما يتيح للمبدعين البشريين التعلم والتطور بشكل أسرع. من جهة أخرى، قد يثير الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في الإبداع الأدبي مخاوف بشأن مستقبل المبدعين البشر.
وهناك خشية من أن يؤدي الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي إلى تقليل القيمة الممنوحة للإبداع البشري، وقد يصل البعض إلى استنتاج مفاده أن المبدعين الحقيقيين قد يواجهون تحديات أكبر في الحفاظ على مكانتهم وأهمية أعمالهم. و في هذا السياق، يمكن أن يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه منافس قوي، خاصة إذا تمكن من إنتاج أعمال أدبية ذات جودة عالية يمكنها منافسة أو حتى تجاوز تلك التي ينتجها البشر. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن الإبداع الأدبي يرتبط بشكل وثيق بالتجربة الإنسانية والمشاعر و الحدس و اللاوعي والخيال، وهي عناصر يصعب على الذكاء الاصطناعي تقليدها بشكل كامل. صحيح أنه قد يتمكن الذكاء الاصطناعي من إنتاج نصوص ممتازة تقنيًا، ولكنه يفتقر إلى القدرة على نقل العمق العاطفي والإنساني الذي يتميز به الأدب البشري. لهذا السبب، من المحتمل أن يظل للمبدعين الحقيقيين دور مهم ومكانة مرموقة في عالم الأدب، رغم التحديات التي قد يفرضها التقدم التكنولوجي.
و في أفق السنوات القادمة، قد نرى توازناً بين استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة دعم للمبدعين وبين الحفاظ على القيمة الفريدة للإبداع البشري. و يمكن أن يتحقق ذلك من خلال التشجيع على التعاون و التكامل بين البشر والذكاء الاصطناعي، حيث يستفيد المبدعون من القدرات التحليلية والتقنية للذكاء الاصطناعي دون أن يفقدوا هويتهم الإبداعية الأصلية.
هل من أمثلة لمبدعين عالميين اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي في خلق أعمالهم (روايات – لوحات…) ؟
نعم، هناك العديد من الأمثلة الملهمة لمبدعين عالميين اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي في خلق أعمالهم في السنوات الأخيرة. فيما يلي بعض الأمثلة:
- ماريو كلينجمان: فنان ألماني استخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء أعمال فنية تعتمد على خوارزميات تعلم الآلة. أحد أعماله الشهيرة هو “ذكريات العابرين الأول”، وهي لوحة مولدة بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي وتم بيعها في مزاد سوذبيز.
- باتريك تريسي: فنان فرنسي يستخدم الروبوتات المبرمجة لرسم اللوحات. تريسي يبرمج الروبوتات لتقليد أسلوبه الفني في الرسم، مما يخلق تجربة فريدة تجمع بين التكنولوجيا والفن.
- آنا ريدلر: فنانة بريطانية استخدمت البيانات والذكاء الاصطناعي في مشاريعها الفنية. عملها “فيروس الفسيفساء” هو مثال رائع على كيفية استخدام البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي في الفنون التشكيلية.
- أحمد الجمل: أستاذ وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي ومؤسس مشروع “أرتندكس”، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل وإنشاء فنون تشكيلية. و أحد مشاريعه الشهيرة هو “آيكان”، الذي يخلق لوحات فنية تعتمد على تحليل بيانات ضخمة من الأعمال الفنية التاريخية.
- هولي هيرندون: موسيقية أمريكية استخدمت الذكاء الاصطناعي في ألبومها “بروتو”. و استخدمت هيرندون نظام ذكاء اصطناعي يُدعى “سباون” للمساهمة في إنتاج الموسيقى، مما أضفى طبقات جديدة ومعقدة على أعمالها.
- توم وايت: فنان وباحث يستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد رسومات وأشكال جديدة. و مشروعه “محركات الإدراك” يستكشف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي رؤية وفهم العالم من خلال الفن.
و لعل هذه الأمثلة توضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية في أيدي المبدعين، مما يفتح آفاقاً جديدة للإبداع والابتكار في مختلف المجالات الفنية.
أين ستذهب المشاعر التي لن يستطيع الذكاء الاصطناعي التعبير عنها في كتاباته التي ينسجها بناءً على برمجته ومعطياته؟
ان المشاعر التي لن يستطيع الذكاء الاصطناعي التعبير عنها في كتاباته ستظل جزءًا أساسيًا من الإبداع البشري. والذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من تطور وتقنية، يعتمد على المعطيات والبرمجة التي تم تزويده بها، وبالتالي فإن قدرته على التعبير عن المشاعر الحقيقية تكون محدودة ومقيدة بالبيانات التي تم تدريبه عليها.
و هذا يعني أن عمق العواطف، التجارب الإنسانية الفريدة، والتعابير العاطفية الصادقة التي تميز الأدب البشري ستظل ميدانًا حصريًا للمبدعين البشر. ان المشاعر الإنسانية تنبع من تجارب شخصية وحياتية معقدة تتجاوز البرمجة والخوارزميات. لذلك، فإن القصص والنصوص التي تحتوي على تعبيرات عاطفية عميقة، وتأثيرات وجدانية صادقة، ستظل متاحة فقط من خلال الإبداع البشري. صحيح… يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحاكي هذه المشاعر إلى حد ما، ولكنه لن يتمكن من تجسيدها بنفس العمق والأصالة التي يتميز بها الإنسان. و بالتالي، ستظل المشاعر الصادقة والحقيقية جزءًا لا يتجزأ من الأدب والفن البشري، ولن يتمكن الذكاء الاصطناعي من تجاوزها بشكل كامل، مما يضمن بقاء قيمة وأهمية الإبداع البشري في مجالات الأدب والفن.
كيف يتصور الخبير مهدي عامري مجال الذكاء الاصطناعي مستقبلا؟
في خضم الثورة التكنولوجية التي نشهدها اليوم، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيشكل محورًا رئيسيًا في تطور المجتمع على مدى السنوات العشر القادمة. فبفضل قدرته على التعلم العميق وتحليل البيانات الضخمة، أظن أن الذكاء الاصطناعي سيسهم بشكل جذري في تغيير معالم العديد من الصناعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والتمويل والنقل. على صعيد الرعاية الصحية، أرى أن الذكاء الاصطناعي سيمكن من التشخيص المبكر للأمراض وعلاجها بطرق أكثر دقة وفعالية، مما سيؤدي إلى تحسين جودة الحياة وزيادة متوسط العمر المتوقع.
و في مجال التعليم، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيوفر أدوات تعليمية متقدمة تتكيف مع احتياجات كل طالب على حدة، مما يعزز من جودة التعليم ويساهم في تقليص الفجوات التعليمية. أما في القطاع المالي، فمن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيمكن من تحسين إدارة المخاطر وتطوير استراتيجيات استثمارية ذكية تعتمد على تحليل بيانات السوق بشكل مستمر ودقيق. مما سيسهم في تحقيق استثمارات أكثر أمانًا وأقل عرضة للتقلبات.
و في قطاع النقل، أرى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في تطوير أنظمة القيادة الذاتية التي ستجعل النقل أكثر أمانًا وكفاءة، مما سيقلل من حوادث المرور ويوفر الوقت والجهد. و إلى جانب هذه القطاعات الرئيسية، أعتقد أن مجال الذكاء الاصطناعي سيشهد تطورات ملحوظة في مجالات أخرى مثل الأمن السيبراني، حيث سيوفر حلولًا أكثر تطورًا لمكافحة التهديدات الأمنية وحماية البيانات الحساسة. كما أرى أنه سيكون له دور كبير في تعزيز التجارب الترفيهية من خلال تقديم تجارب افتراضية متقدمة وألعاب تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. أما على المستوى الاجتماعي، أظن أن انتشار الذكاء الاصطناعي سيطرح تحديات جديدة تتعلق بالخصوصية والأخلاقيات، مما سيتطلب تطوير إطار قانوني وأخلاقي يضمن استخدامه بطرق مسؤولة وآمنة.
كما أن التحول الرقمي الذي سيصاحبه سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في سوق العمل، حيث سيحل الذكاء الاصطناعي محل العديد من الوظائف التقليدية، ما سيجعل من الضروري تأهيل القوى العاملة وتطوير مهارات جديدة تتماشى مع احتياجات العصر الرقمي.
وبناء على ما سبق أؤكد على أهمية التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث سيكون من الضروري تبادل الخبرات والمعرفة بين الدول لتعزيز الابتكار وتحقيق التنمية المستدامة. وأرى أنه يجب الاستثمار في البحث والتطوير لدفع حدود الذكاء الاصطناعي وتحقيق اكتشافات جديدة تفتح آفاقًا غير مسبوقة.
وفي نهاية المطاف، أظن أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل هو أداة قوية يجب استخدامها بحكمة لتعزيز رفاهية الإنسان وتحقيق تقدم حقيقي في مختلف جوانب الحياة. و لعل التحدي الأكبر في السنوات العشر القادمة سيتمثل في كيفية تسخير هذه التكنولوجيا المتطورة بطريقة تحقق التوازن بين الابتكار والمسؤولية الاجتماعية، وتضمن استفادة الجميع من فوائدها دون إغفال الجوانب الأخلاقية والإنسانية.