أخبارالرئيسيةثقافة و فن

“حبال الذاكرة”معجم شعري فياض بدلالات شعرية معضدة بثنائية الاتصال والانفصال

 صدر لأمنة برواضي، عن مطبعة وراقة بلال بفاس2020، ديوان شعري، اختارت له عنوانا شاعريا منبثقا من ملكوت الذات؛ “حبال الذاكرة” وهو يشي بحمولات دلالية، تنطلق من الذاكرة/الذات لتتوسع وتمتد على مساحات نصية، قد تتصل بالذاكرة، وقد تنفصل عنها.

وقد نسجت الذات الشاعرة ثمانية وثلاثين عنوانا، ونوعت في بنياتها السطحية، ذلك أن هذه العناوين قد اتخذت صيغا نحوية مختلفة نجملها في ما يلي:

المضاف إلى المعرف: صدى الأحزان، ربيع العمر، موسم الربيع، ضفائر الأمل، ضباب الظلم، رقصة الخوف، زحف الظلام، شح العطاء، حبال الذاكرة، زمن الظلم، قطار العمر.

الناقد د. امحمد أمحور

المعرف: الصمت، الحنين، الانتظار، العيد، السفر، الخوف.

المضاف إلى ياء المتكلم: ذكرياتي، بلادي، حيرتي.

الجملة الفعلية: علمنا الصمت، أقبل الصبح، تفشى الفساد،

نكرة: مشرد، استسلام، اعتذار، حيرة، غياب.

المضاف إلى النكرة: رشفة ماء.

شبه جملة: بين الأنقاض (ظرف مكان)، بلا حدود، من نافذتي، على شاطئ العمر، حين أصمت (ظرف زمان)، في المساء.

هكذا تنمو الدلالة الشعرية وتتوسع على مساحات نصية وفرت لها الذات الشاعرة طاقات تخييلية مستمدة من الدفقة الشعورية المعضدة بثنائية الاتصال والانفصال، فالاتصال الذي ترغب فيه هذه الذات هو اتصال بالحقل الدلالي الذي يحتفي بلغة الشعر الجزلة المنفتحة على القيم الإنسانية والكونية المولدة للمبنى الشعري البهي، حيث يتعانق المسند بالمسند إليه إلى حد التماهي مولدا بنيات عميقة ثاوية في شغاف صفحات بيضاء من هذا السجل الشعري البهي. (صفحات: 27، 33، 39، 42، 47، 50، 58-77، 83، 92، 105، 117، 122، 126، 129).

وعلى إيقاع ربيع العمر تعزف الذات التي تستهويها اللغة الانزياحية، فتكسر أفق انتظاره إذا اكتفى بالبنية السطحية على مستوى تركيب المسند والمسند إليه، ولم يستدع القواعد السياقية لرفع الحرج عن الجملة الشعرية، ذلك أن زمن الإنشاد الشعري وإن كان يلوح بالأمل في تجاوز الكآبة،

والاخفاق، والحرب، لكن ذلك لا يتم إلا على مستوى التركيب النحوي الذي يجمع بين التناقضات، والمفارقات التي تزيد من توتر الذات المنتجة للخطاب الشعري، فكيف يمكن لربيع العمر أن ينعت بالقحولة وقد اتسع الخرق على الراقع بعد أن تحول ربيع العرب إلى دماء؟ والذات الشاعرة في هذا السياق تستنجد بمعجم شعري فياض قد يعيد للبنيات الشعرية العميقة وهجها الشعري ويخلصها على مستوى الإنشاد على الأقل من شرنقة العبودية، ويعيدها عودا على بدء إلى أضواء الحرية، وإن كانت هناك قوى معارضة للزمن الجميل؛ هذه القوى ترغم الذات الشاعرة على نسج جمل شعرية متوترة على مستوى التركيب والدلالة.

الناقد امحمد امحور بمعية الشاعرة أمنة برواضي

“يا ربيع العمر القاحل

يا ربيع العرب الدامي.

أي الجراح نضمد؟

صرخت بأعلى صوتي

يا سماء أمطرينا

حرية

معاصمنا

ألسنتنا

أدمتها قيود العبودية”. (ص24)

وعلى إيقاع اللحن الشجي تستعير الذات المهووسة بالشعر من الحقل الدلالي المتوتر معجما منغرزا في ملكوت الذات لا يسعفها على تملك الموضوع الثمين المرغوب فيه متمثلا في الحرية وانبثاق فجر جديد، وإنما يجبرها على مراودة الأزمنة الكئيبة علها تسمع صوتها الشعري الجهور لمن به صمم.

رددت جدران زنزانتي

صدى صرختي.

ينتهي الانذال بنخب

النصر

يرفلون في ثوب الغدر.

ونحن

نشرد فوق أراضيها.

ننام على الجليد. (ص 25)

معجم شعري فياض يتسم بالتوتر على مستوى التركيب الإسنادي أرخى سدوله على الجهاز المفاهيمي للذات المنتجة للدلالة الشعرية في علاقتها بموسوعة التلقي؛ هذه الذات لا تسعفها الجراح للانفلات من الزمن الكئيب، وترغمها على ألا تحلق بعيدا على أنغام الزمن الجميل، لأن القوى الفاعلة المعارضة قد استحوذت على المقول الشعري الذي لم يقو بدوره على الظفر بالموضوع المرغوب فيه وهو النصر وتجاوز زمن الحرب.

وهذه القوى الفاعلة المعارضة وإن كانت ذات صلة وثيقة بحقل الطبيعة (نشرد، أراضينا، الجليد، الصخر، الصحراء، الطوفان..) إلا أن ذلك لا يتم إلا على مستوى التركيب أو البنية السطحية، وعلى القارئ المفترض أن يشحذ أدواته المفاهيمية، وأن يوسع موسوعته الفكرية، وأن يحرك تجاربه في القراءة والتأويل، والتي قد تسعفه على الاستعانة بقواعد سياقية قد لا توجد بالضرورة في البنى السطحية، وقد تمتد لشروط الكتابة واستيهامات الذات المنتجة للدلالة الشعرية لحظة الإنشاد والبوح الجميل، كل ذلك بهدف استنباط دلالات غير معلن عنها في البنية السطحية. ومن ثمة فإن المعنى قد يستوي أوده من جديد في السطور الشعرية التي صيغت في أسلوبي الخبر والإرشاد، وخاصة في نص (ربيع القمر).

النداء:

– يا ربيع العمر القاحل.

– يا ربيع العرب الدامي.

الاستفهام:

-أي الجراح نضمد؟

الخبر:

– رددت جدران زنزانتي صدى صرختي.

– ينتشي الانذال بنخب النصر

– يرفلون في ثوب الغدر

– ونحن نشرد فوق أراضينا.

 -ألجمونا ببساط الظلم.

– رمونا طعم الحرية.

وبمقارنة بسيطة بين البنيات السطحية التي صيغت في أسلوب الإنشاء وبين البنيات السطحية التي صيغت في أسلوب الخبر يتبدى للقارئ المفترض أن الواقع الكائن أو زمن الحرب والظلم، والغدر، وافتراش العراء قد صيغ في أسطر شعرية تنضح برؤيا شعرية سوداوية تكبل الذات الشاعرة وتجعلها أسيرة حقل دلالي موغل في الأزمنة الكئيبة، أما الزمن الجميل فيتبدى في أسطر شعرية صيغت في أسلوب الإنشاء يتغيى الوظيفة الإقناعية وإرغام الآخر على الانخراط في الواقع الممكن. وهذا التفاعل بين الواقع الكائن والواقع الممكن يتم على مستوى الذات المنتجة للخطاب الشعري(تعذبني صرختي، التي دفنتها في حلقي، بعدما عشقت الألوان ومن بحور الشعر غرفت الأشعار……)، وتظل هذه الذات تجتر خيبات الظفر بالأزمنة الجميلة (اللاحرب، أو زمن السلم.) وتتوقف مضطرة عن الاسترسال في المقول الشعري، مادامت الذائقة الشعرية والدفقة الشعورية لا تتفاعلان بشكل متواز، مانحة الفرصة للقارئ النموذجي الذي راكم سجلا موسوعيا لملء بياض الصفحة (27)، حيث ينتهي النص الشعري (ربيع العمر).

تعذبني صرختي

التي دفنتها في حلقي.

أنا من رماني زماني

على عتبة الأيام

بعدما عشقت الألوان

ومن بحور الشعر

غرفت الأشعار.

إن هذا السجل الشعري يتنازعه الواقع الكائن والواقع الممكن على مستوى إنتاج الذات الشاعرة للدلالة، والنص الشعري المؤطر لهذا التنازع هو “صدى الأحزان” الذي تحكمت فيه ثنائية الاتصال والانفصال بشكل سافر؛ الاتصال بالواقع الممكن وإن على مستوى توظيف اللغة الشاعرة المتوترة على مستوى التركيب أو البنية السطحية، والانفصال عن الواقع الكائن بنحت أسطر شعرية تنضح بلغة شعرية مستقاة من ملكوت الذات لكنها تصطدم بلغة الواقع المرير؛ واقع القهر المولد للأحزان وآهات الأيام، وقهر العباد، وقسوة الجلاد، وجلد ذات حكاية العربي، ومشي الظلم على رقاب الرجال…

أبسط أمامي

كل مرة ورقا أبيض

للخطاب عليه بحبري

قوة صبري.

ويسدد سواده معي

صدى الأحزان

وآهات الأيام.

أبحث في قاموسي

عن كل المعاني

التي تليق

لوصف قهر العباد

وقسوة الجلاد. (ص15، 16)

إن الذات المنتجة للدلالة الشعرية لا تراوح مكانها في تشكيل ملامح الواقع الممكن لأن القوى الفاعلة المعارضة للمحكي الشعري الإطار ممعنة في استفزاز الذائقة الشعرية بهدف ثنينا عن مراودة الكلمة الشعرية الصداحة، وأن يمتد النص الشعري “صدى الأحزان” على رقعة شعرية فيحاء، ناهزت تسع صفحات فمن أجل الظفر بالموضوع المرغوب فيه على مستوى إبداع رص مصفوفات الجمل الفعلية المثبتة بضمير المتكلم المسعفة على سرد إخفاقات الذات، لكن دون جدوى، فالقوى الفاعلة المساندة للذات تكاد تختفي في هذا النص إن على مستوى تركيب الجمل الشعرية أو على مستوى التخييل الشعري.

وقبل أن يجف الحبر

أسطر

كيف يكون الضياع

وكيف يكون زوال النهار.

أرقب من مكاني

وأنا ملقاة على كرسي، وقد

تربعت على عرش أيامي

أغازل

ساعة الغروب

وأنظر بإمعان

كيف يحل الظلام

محل الضياع. (ص17-18)

إن القوى الفاعلة التي بإمكانها ان تكون السند للذات المنتجة للطاقة الإيجابية في توليد المعنى الشعري البهي هي الحضارة، والثقافة، والتاريخ ؛ هذه القوى التي تجردها من كينونتها لتنسج ملامح حوار ممكن يعلي من القيم الإنسانية والكونية وينبذ العنف، والحرب، واللاسلم؛ هذا الحوار الذي يأبى مغازلة ساعة الغروب ويحتفي باللغة الشاعرية المرغبة في الواقع الممكن (ساعة إقبال الضوء، عمر جديد للحضارة والثقافة، الأوراق اليانعة، السفر عبر الأحلام الشعرية الجميلة، حبل الأمل…)

الواقع الكائن قد يتحقق عبر اللغة الشعرية الوارفة ومن خلال القوى الفاعلة المساندة للذات المنتجة للدلالة الشعرية الإيجابية وبملء البياضات، والفجوات، والثغرات، التي تركتها الذات الشاعرة عن سبق إصرار في الصفحات التي أشرنا إليها سلفا، ومن ثمة فإن القراء المفترضين لهذا السجل الشعري الذي يحتفي باللغة الشعرية الجزلة المسعفة على ارتياد عوالم شعرية باذخة سيبحثون عن قواعد سياقية لتأويل العلامات اللسانية، وتشييد بنيات عميقة من خلال الانزياحات اللغوية، والتركيبية، والإيقاعية، التي يزخر بها هذا المتن الشعري البهي، والماتع، والمستفز للذخيرة الشعرية، والموسوعة الفكرية، للمتلقي النموذجي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button