ماذا وراء توسيع تنظيم “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” نطاق عملياته في دول الساحل؟
خلال شهرَيْ نيسان/ إبريل، وأيار/ مايو 2024 تصاعدت على نحو واضح عمليات تنظيم “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” في دول الساحل، خاصة بوركينا فاسو في الدرجة الأولى، ثم مالي، ثم النيجر بالتزامن مع خروج القوات العسكرية الأمريكية والفرنسية من النيجر ومالي وعموم المنطقة، وتَوَلِّي قوات روسية مواقع عديدة كانت تشغلها.
في شهر أيار/ مايو 2024 الفائت أعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” مسؤوليتها عمّا لا يقل عن 50 عمليّة ضد قوات الجيش في مالي وبوركينا فاسو، في حين أعلنت ولاية الساحل التابعة لتنظيم داعش (ISWAP) مسؤوليتها عن 27 هجوماً فقط -وهو أدنى رقم لها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023- إلا أن الوضع الأمني مرشح للتدهور شهراً بعد شهر في قابل الأيام، خاصة أن الجماعات الجهادية تستهدف بشكل مستمر جيوش المنطقة بأكملها، ويسعون أكثر للانخراط في مواجهة مفتوحة ضد القوات النظامية في هذه البلاد.
إن من أهم عوامل التوسُّع الأخير لعمليات جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” هو منافسة داعش في المنطقة، والتي أدت إلى اشتباكات متكررة منذ عام 2020 بين الطرفين، كما عمد الطرفان خلال عام 2024 إلى تنفيذ عمليات اغتيال متبادَلة لقيادات من الطرفين، فكان من بين الضحايا في أيار/ مايو 2024 أمير جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” في منطقة إنتيليت (إلياس أمادو موسى) من قِبل تنظيم داعش، في حين اغتِيل عبد العزيز ماسا أحد قيادات تنظيم داعش في ولاية سوم ببوركينا فاسو مطلع حزيران/ يونيو 2024.
إلى جانب عامل المنافسة، فإن توسُّع عمليات التجنيد لصالح تنظيم “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” أدى إلى توسيع نطاق المواجهات، فقد ازدادت العمليات شمال شرق بوركينا فاسو من ناحية، وعلى طول الحدود بين بوركينا فاسو والنيجر ومالي في أيار/ مايو 2024 على وجه التحديد، وذلك بعد حملة طويلة من التجنيد استمرت نحو ستة أشهر بين عامَيْ 2023، و2024 في المنطقة، مما أتاح فرصاً كبيرة للجماعة لتوسيع مناطق عملياتها، وهو ما تجلى في أيار/ مايو 2024، حيث نفذت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ما لا يقل عن ثلاث هجمات واسعة النطاق، شارك في كل واحدة منها ما لا يقل عن 100 مقاتل، وفي هذا الإطار فإنه من المحتمل أن تكون جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قد قامت بتوحيد مناطق الدعم في شرق بوركينا فاسو في نيسان/ إبريل ،2024 والتي ساعدتها في تسهيل العمل على هذه الهجمات.
من المرجَّح أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” تستخدم تكتيك الهجمات الواسعة ضد قواعد الجيش البوركيني في الآونة الأخيرة لطرده من المناطق المتاخمة لجنوب غرب النيجر، بهدف تأمين هذه المنطقة قبل الانتقال إلى العمل في منطقة جنوب غرب النيجر، مما يمكنها من تنفيذ هجمات أكثر تواتُراً وشدة ضد قوات الأمن البوركينية والنيجرية المعزولة، مما يؤدي إلى قطع خطوط الاتصال البرية بين القوات والقواعد الرئيسية للجيش القادرة على إسنادها، إلى جانب فرض حصار على المراكز السكانية الرئيسية في المنطقة.
لا يزال الضعف الأمني في المنطقة -الذي تسارع مع الانقلابات العسكرية المتعددة في السنوات الماضية- السِّمَة الأساسية للوضع عموماً، خاصة مع استبدالها القوات الغربية تدريجياً بالفيلق الإفريقي الروسي وقوات فاغنر، إلى جانب تصعيد القوات الروسية على نحو منتظم هجماتها العشوائية مع ميليشيات عِرْقية محلية ضدّ السكان المحليين بحجة مواجهة الجماعات الجهادية، مما يؤدي إلى زيادة تطرُّف عدد من السكان المحليين الذين يتعرضون لمذابح عِرْقية متصاعدة، وهو ما يتيح لتنظيم “جبهة النصرة وتنظيم داعش في الساحل -على حدّ سواء- تصعيد عملياتهما في المنطقة، وهو ما يجعلنا أمام احتمال تحوُّل المنطقة إلى نقطة انطلاق لمئات المقاتلين المشاركين في هجمات واسعة النطاق خلال المستقبل القريب.