“في قضية الصحراء، تريد الجزائر أن تجعلنا في خصام مستمر مع إسبانيا ويكون تنفسنا الشمالي قد إنقطع وأن تجعلنا من جهة أخرى في عراك مستمر على الصحراء مع موريتانيا وبذلك تقطع جذورنا في الجنوب فيبقى المغرب بذلك مطوقا بين المحيط الأطلسي والجزائر؛ وهنا خطط المسؤولون الجزائريون للعبة من الناحية السياسية كان يمكن أن تنجح لو عرفوا كيف يتصرفون فجعلوا موريتانيا تطالب بالشيء الذي لم تطالب به أبدا، وهو الصحراء، وأصبحت موريتانيا طرفا في النزاع” مقتطف من لقاء صحفي أجراه الراحل الحسن الثاني مع مجلة الوطن العربي سنة 1979 – بهذه الكلمات فكك القائد المعلم طبيعة المؤامرة الكبرى التي كانت و لازالت تستهدف المملكة المغربية الشريفة من خلال العمل على إستراتيجية ” التطويق الإستراتيجي ” و التقزيم الترابي لحدوده التاريخية في محاولة لتحقيق حلم تاريخي يتمسك به بدون جدوى أكثر من لاعب إقليمي و دولي بهدف عزل المغرب عن محيطه الإقليمي و القاري .
النظام البومديني في الجزائر كنظام وظيفي حافظ بإخلاص كببر على المصالح الإستعمارية في الجزائر و التي كانت تسمى “الأقاليم الجنوبية ” لفرنسا النابليونية حيث يحكم بشكل صوري “العمالات الثلاث “في مستعمرة الجزائر السابقة قد تكلف بشكل مبكر بلعب دور إستراتيجي لتعطيل مسيرة المغرب التنموية بتمويل و إحتضان المعارضة اليسارية المسلحة التي إلتجأت إليه في عقد الستينات و السبعينيات ثم إشعال حرب إقليمية في أكتوبر 1963 تحت مسمى حرب الرمال ثم الإنتقال إلى المؤامرة الكبرى بمحاولة فصل الصحراء المغربية عن وطنها الأم و إقامة دويلة عميلة في جنوب المغرب و هي المؤامرة التي لازالت فصولها مستمرة بشكل كاريكاتوري إلى حدود كتابة هذه الأسطر .
لذلك فالنظام الشمولي الذي يحكم الجزائر بيد من الحديد و النار طوال ستين سنة من الإستقلال الموهوم ظل في خدمة أهداف الدوائر الإستعمارية رغم إصطفافه الملغوم بعد الإستقلال إلى جانب المعسكر الشرقي المناهض في شعاراته و خطاباته للإستعمار و إستغلال الشعوب و بغض النظر على التاريخ الذي حدد المسار الإنساني لهذه البقعة الصغيرة من الجغرافيا تحت مسمى الجزائر أو
“بلاد المغرب الأوسط ” و التي كانت من بين المناطق القليلة في العالم التي ظلت طوال تاريخها تفتقد لمفهوم السيادة و إستقلالية القرار الوطني حيث حافظت لقرون طويلة على طبيعتها الترابية و الإدارية في شكل إقليم أو مقاطعة تابعة لإمبراطورية ما ( المغربية ثم العثمانية و الفرنسية ) و هو الأمر الذي كرسه الإستعمار الفرنسي الذي قام بمصادرة الشعور الوطني و القومي للشعب الجزائري في الوقت الذي كانت فيه الشعوب المجاورة تستنهض تاريخها العريق إنطلاقا من مقاومة وطنية ألهمت مختلف حركات التحرر في العالم ، ورغم حصول الجزائر على الإستقلال الشكلي بعد ثورة شعبية مسلحة بدعم مباشر و كامل من الشعب المغربي و قواه الحية تحت قيادة المؤسسة الملكية ؛ إلا أن الطغمة العسكرية العميلة التي سيطرت على دواليب الحكم في الدولة الفتية الحديثة العهد بالإستقلال أفرغت الثورة من رسالتها النبيلة و إنقلبت على رفاق السلاح و الثورة ثم تورطت في حرب مجنونة في أكتوبر 1963 ضد المملكة المغربية التي فتحت مخازن سلاحها أثناء الثورة الجزائرية أمام الثوار و جعلت من أراضيها و مدنها الحدودية قواعد خلفية لإنطلاق العمليات الثورية ضد المستعمر الفرنسي، فكانت ثورة أفشلت في تحقيق أهدافها التحررية سيطر على أوصالها الكولونيل الهواري بومدين الذي تحول إلى “روبيسبيير جزائري” إرتكب فظاعات و مذابح حقيقية في حق رفاقه و أصدقاءه بعد إنقلاب يونيو 1965 إلى غاية وفاته في غشت 1978 .
طبيعة النظام الجزائري الإنقلابي في جوهره المؤمن بالحلول العسكرية كعقيدة سياسية و بالواقعية الهجومية كإستراتيجية لتدبير علاقاته الخارجية تجعل من الصعب على قيادة هذا النظام تقبل المغرب كدولة – أمة بخصائصها الجغرافية المتيمزة و بتقاليدها الأصيلة و بتاريخها العريق و بجيشها المنتصر و نظامها المستقر في حدوده الشرقية و الجنوبية الغربية لأنه حسب هذا التفكير
” الإنقلابي ” فالمغرب يشكل حجرة عثرة تتكسر أمامها الأحلام التوسعية بجزائر لها إطلالة أطلسية و تهديدا وجوديا لنظام فاقد للشرعية يحاول خلق هوية هجينة عن طريق السطو على التاريخ الحضاري المشترك و بناء مواقف إنطلاقا من ردود أفعال و التدخل في كل القضايا و الملفات الإقليمية بعرض الوساطات البهلوانية بغرض تحقيق تموقع جيوسياسي أكثر تقدما في القضايا الدولية و الإقليمية كما هو الشأن بالنسبة لملف سد النهضة بين أثيوبيا و مصر و ملف السلام و الأمن في الساحل الإفريقي و القضية الفلسطينية و الحرب الاهلية السودانية .
آخر هذه السقطات الديبلوماسية الشنيعة هو محاولة النظام الجزائري بعث فكرة إتحاد المغرب الكبير بتجاوز المنطق و اللغة و الدين و التاريخ و الجغرافيا و المصير المشترك بين شعوب المنطقة التي عاشت لقرون تحت حكم واحد في أكثر مناسبة تاريخية ، المبادرة الحالية التي تقودها الجزائر بعقد إجتماعات مشتركة مع دول مغاربية و العمل على التغييب المنهجي للمملكة المغربية
” الحاضنة التاريخية ” لفكرة توحيد الشعوب المغاربية إنطلاقا من تجارب تاريخية و حضارية سابقة حيث وحد المغرب الأقصى كل أقطار المغرب الكبير في عهد المخزن المرابطي و المخزن الموحدي و المخزن المريني و شكلت المنطقة إلى جانب الأندلس الجناح الغربي للعالم الإسلامي الممتد من المحيط الأطلسي غربا إلى بحر الصين شرقا ، هذا الجناح الذي كانت له أدواره التاريخية المشهودة له في التاريخ الإسلامي .
قلنا أن التغييب الممنهج للملكة المغربية في هكذا إجتماعات يضعف بشكل كبير أي محاولة جزائرية لبناء منظومة مغاربية بديلة لإبتعاد هذا التكتل الهجين الذي ما فتئت تدعو له الجزائر الرسمية في أكثر من مناسبة عن المبادئ المؤسسة لإتحاد المغرب الكبير و بالتالي سيكون مفرغا من حمولته التاريخية و أبعاده الحضارية المتميزة و ستظل هذه الإجتماعات لقاءات روتينية غير قادرة على بلورة تصورات مغاربية حقيقية للإشكالات المطروحة و عاجزة عن تقديم حلول ناجعة للقضايا العالمية و القارية و الإقليمية المطروحة فوق طاولة الفاعل المؤسساتي في دول جنوب المتوسط و شمال إفريقيا .
النظام الجزائري منذ عقود يحاول جاهدا أن يبرهن للعالم بأنه الدولة الرائدة الوحيدة و القوة الإقليمية المهيمنة على محيطها الجيوسياسي و هذا الأمر لن يستقيم لجنرالات الجزائر بإجترار النمطيات البومدينية الغارقة في الشوفينية و إستدعاء قاموس الحرب و الدمار و المؤامرات السياسية و التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار و قطع العلاقات الديبلوماسية و دبج بلاغات الحرب و تمويل و تسليح و تدريب الجماعات الإرهابية و الإنفصالية للإضرار بالأمن القومي للمغرب .
طوال العقود الماضية عمل النظام في الجزائر العاصمة على عقد تحالفات عسكرية و سياسية مع أنظمة تعادي النظام الملكي المغربي كنظام الأسد في سوريا و نظام القذافي في ليبيا و النظام الكوبي في هافانا و النظام الإشتراكي في اليمن الجنوبي و النظام الناصري في قاهرة الستينات و بعض الأنظمة الأفريقية التي كانت تدور في فلك المعسكر الشرقي ، حيث سعى نظام بومدين إلى العمل على محاصرة المغرب و السعي لتقزيم حضوره في الملفات الدولية كالقضية الفلسطينية و باقي القضايا العربية المشتركة .
المشروع المغاربي الذي يطرحه النظام الجزائري لا يمكن أن يكون له أثر جيوسياسي أو تأثير سياسي على الملفات الإقليمية المطروحة سواء بالنسبة لشركاء المنطقة جنوب الصحراء الكبرى أو في الضفة الشمالية للبحر المتوسط أو بالنسبة لباقي المحاور الكبرى الفاعلة في السياسة الدولة ، في الوقت الذي تراهن فيها التكتلات الدولية و الإقليمية على بناء منظومات ردع جيوسياسي من خلال الهيمنة و بسط السيادة على المضائق البحرية لأهميتها في النقل التجاري أو الإستراتيجي و بناء منظومات إقتصادية بسلاسل إنتاج متكاملة فإن الإتحاد المغاربي الملغوم الذي تروج له الجزائر يظل مجرد مبادرة وهمية على الورق محكومة بالفشل الذريع نتيجة إستبعاد المملكة المغربية بنموذجها الإقتصادي الصاعد و إشعاعها الحضاري الكبير و مساهمتها المهمة في الأمن الغذائي العالمي بإعتبارها ” سلة غذاء العالم ” بإحتياطاتها الفوسفاطية المهمة و موقعها الجغرافي المتميز متوسطيا و أطلسيا الذي يجعلها أحد ثوابت السلام العالمي ، كما أن عمقها الإفريقي يحولها إلى منصة إفريقية متعددة الأبعاد مفتوحة أمام العالم .
النظام الجزائري منذ عقود فشل في كل محاولاته لتغيير عقيدته الديبلوماسية و بشكل خاص على المستوى الإقليمي حيث باءت كل المحاولات التي يشتغل عليها الجنرالات لتقديم تسويات إقليمية أو مبادرات قارية بالفشل الذريع أهمها إتفاقية تمنراست التي تم توقيعها في عام 2010 بين موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو بالإضافة إلى الجزائر بهدف إنشاء قوة أمنية مشتركة في المنطقة لمواجهة التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة، ولكن لم يتم تفعيلها بالشكل المطلوب في ظل غياب المرونة الذي أظهره الجانب الجزائري و محاولته فرض أجنداته الإقليمية على الدول الأعضاء في ظل إستمرار التحديات الأمنية في الساحل و بالتالي فغرفة عملية تمنراست لمكافحة الإرهاب لم تكن في مستوى تطلعات الشعوب الإفريقية و ظلت لعقود عاجزة عن التدخل العسكري لوقف المذابح الكبرى التي إرتكبتها و لازالت الجماعات المتطرفة و الإرهابية في مالي و بوركينافاسو في ظل التعقيدات الأمنية في منطقة الساحل والحاجة إلى تعاون إقليمي وجهود دولية منسقة لمواجهة هذه التحديات، المشروع الجزائري الجديد الذي يهدف إلى إقبار ” معاهدة مراكش 1989 ” المؤسسة لإتحاد المغرب العربي و تعويضها بإتفاقية الإخاء والوفاق الموقعة مع تونس و موريتانيا في 19 مارس 1983 هو فهم جزائري خاطئ لطبيعة التحديات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة و تقدير موقف لا يتوافق مع تطلعات شعوب المنطقة و بالتالي فكل المحاولات السابقة من طرف النظام الجزائري لحشد الأنظمة المغاريية في إتحاد معادي لمصالح المغرب كان مصيره الفشل الذريع لأنه يفتقد لهوية مغاربية حقيقة مرتبطة بالحيز الجغرافي و الإمتدادات التاريخية المعروفة .
المبادرة الجزائرية تظهر كردة فعل متسرعة من طرف صانع القرار السياسي في قصر المرادية تحت ظغط كبير من طرف جنرالات الجيش في محاولة فاشلة لعرقلة المبادرات المغربية الرصينة إتجاه القارة الإفريقية و التي تتناغم مع الأهداف الكبرى التي سطرتها شعوبها في أجندة إفريقيا 2063، ما يتغافل عنه العقل الغير الإستراتيجي الجزائري أن المبادرة الأطلسية المغربية هي صمام أمان إقليمي إتجاه دول الساحل التي تشكل عمقا إستراتيجيا مفترضا للجزائر ، هذا العمق الذي فشل النظام العسكري الجزائري في الحفاظ على إستقراره بل هو المتسبب الرئيسي في جزء كبير من المعضلات الأمنية التي تعرفها منطقة الساحل و الصحراء الكبرى عبر إحتضانه لمليشيا إرهابية و إنفصالية في مخيمات تندوف و التي شكلت لعقود و إلى اليوم قواعد خلفية آمنة لقيادات كبرى في التنظميات الإرهابية المسلحة الناشطة في الصحراء الكبرى و الساحل .
النظام الجزائري واجه تحديات حولها إلى هزائم دبلوماسية وسياسية متتالية تتيجة غرق أجنحة النظام في حرب تكسير للعظام، مما أدى إلى تراجع نفوذه الإقليمي بشكل كبير و هذا الضعف البنيوي قد فتح المجال لتصعيد نشاط ميليشيا البوليساريو التي تُصنف كجماعة إرهابية مم مختلف دول العالم و في ظل هذه الديناميكيات المتوترة، فإن إحتمال تحول ميليشيا البوليساريو إلى “جهة فاعلة عنيفة غير حكومية” يمثل مخاطر كبيرة على إستقرار المنطقة فالمتتبع لسلوك النظام الجزائري بمحاولته الفاشلة للتنسيق المغاربي و إستبعاد المملكة المغربية التي تعتبر القلب النابض التاريخي للمغرب الكبير هو إستخدام غبي لإستراتيجية
” تمرير السلطة ” كما شرحها المفكر الامريكي و الضابط السابق في الجيش الأمريكي جون جوزيف ميرشايمر ؛ الواضح جدا أن السياسات الإقليمية المغربية تصب جميعها في خدمة الأمن و السلام و التنمية للشعوب المغاربية من خلال العديد من المبادرات التنموية المهيكلة التي تشكل فرصا حقيقية أمام المنطقة من أجل تحقيق إقلاع إقتصادي حقيقي يساهم في تعزيز جهود التنمية و الإستدامة مقابل سياسات شوفينية إقصائية يغذيها التوجه الغير واقعي للنظام الشمولي الجزائري إزاء معضلة الأمن الإقليمي و القاري و الدولي و التي تساهم بشكل كبير التأثير على توازن القوى الإقليمي في غياب ضمانات و ترتيبات سياسية و أمنية تضمن سلاسة التمرير بين مختلف الفواعل الإقليمية .
النظام الجزائري اليوم يمر من مرحلة تاريخية دقيقة جدا عنوانها
” الإفلاس ” نتيجة غياب مشروع سياسي واضح و متوازن يشكل أرضية مشتركة بين مختلف أطياف الشعب الجزائري لبلورة رؤية إستراتيجية تحدد الوسائل و الأدوات المطلوبة لتحقيق التنمية المستدامة و العيش الكريم لشعب يستحق الحياة بعد قرون طويلة من الإذلال و الإستعباد و الإستعمار توجتها عشرية سوداء من القتل و الذبح و التهجير القسري نفذتها أيادي آثمة لازالت إلى اليوم تضع يدها على مقدرات الشعب الجزائري و تبددها في سياسات عسكرية غبية و صفقات تسليح بمئات المليارات من الدولارات و تمويل و تسليح و تدريب الجماعات الإرهابية و الإنفصالية لزعزة الإستقرار الإقليمي و القاري .
إفريقيا اليوم في ظل التهديدات الكبرى التي يضعها سلوك النظام الجزائري إتجاه دول الجوار في حاجة إلى التفكير في بناء ” طوق تنموي إفريقي ” ينهي أحلام البومدينية لجنرالات العشرية السوداء بالوصول إلى واجهة أطلسية تضمن للجزائر الهيمنة الإقليمية و تحقيق حلم الدولة القائدة لشعوب شمال إفريقيا و ” طوق تنموي ” يفرض على هذا النظام الإندماج بشكل جدي في الجهود الإفريقية و الإقليمية لمعالجة إشكالاتها الكبرى ، و في ظل هذه التطورات الجيوسياسية المتسارعة موريتانيا اليوم مطالبة بأن تلعب دورها ” كدولة عازلة ” تحافظ من خلال حيادها الإيجابي على صيرورة الأمن الإقليمي و إستقرار المنطقة ، فكما هو معروف النظام الجزائري من خلال الرؤية العسكرية الضيقة للجنرالات المتعطشين للحرب و الدماء يعملون جاهدين لضمان ولاء نواكشوط في أي مواجهة مستقبلية مع المغرب بتحويلها إلى ” دويلة عميلة ” فاقدة للسيادة تفتقر لإستقلالية قرارها الوطني من خلال تسليط عصابات البوليساريو للعبث بالأمن الداخلي الموريتاني كما حدث سابقا في حرب الصحراء المقدسة في سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي و التي خاضها أسود القوات المسلحة الملكية بكل شجاعة و بطولة و نكران للذات في معارك و إنتصارات سيتوقف التاريخ العسكري طويلا أمامها .
الموقف الإقليمي اليوم في حاجة إلى تسوية إقليمية ترتكز على روح ” مبادئ ويستفاليا ” يضمن مسارا معقولا للسياسة الخارجية الجزائرية و يحافظ على الأمن الإقليمي و الإستقرار السياسي للمنطقة ، فخيار “التسوية الإقليمية ” سيظل خيارا مطروحا على طاولة صانع القرار الجزائري لأنها حبل النجاة الوحيد أمامه للخروج من الأزمة البنيوية التي يعيشها نتيجة الصراع بين مختلف أجنحة النظام ، هذه التسوية ستوفر للبلاد إطاراً سياسياً مستقراً على المستوى الإقليمي، مما يعطيها المساحة الكافية للتركيز على معالجة التحديات الداخلية الملحة التي تواجهها و التي من المحتمل أن تدخلها في نفق عشرية دموية جديدة تنتهي بتفكك الدولة الجزائرية مما سيهدد الأمن و الإستقرار الإقليمي و العالمي ؛ في هذه المرحلة الحرجة، يكتسب هذا الخيار أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للجزائر كدولة حيث سيعزز موقعها الإقليمي ويحافظ على استقرارها السياسي ، و يؤسس لبناء منظومة فكرية جديدة داخل النظام الجزائري تؤمن بالتعاون الإقليمي و الترابط بين الشعوب المغاربية و تنهي مع الفكر البومديني التوسعي البائد .
إستراتيجية ” اليد الممدودة المغربية” نحو الجزائر و التي مافتئت الخطب الملكية السامية تؤكد عليها من منطلق سيادي يضمن المصالح العليا للشعب المغربي تشكل حاليا الإطار السياسي الوحيد و المقاربة الديبلوماسية الوحيدة الممكنة من أجل تحقيق هدف ” التنفيس الجيوسياسي الإقليمي ” من خلال إطلاق مباحثات مشتركة بين مختلف الأطراف الإقليمية بهدف تخفيف التوتر و خفض التصعيد الإقليمي و بناء أرضية مشتركة لمناقشة مختلف التحديات المفروضة على شعوب المنطقة و في مقدمتها الأمن البشري بأمتدادته و شموليته ، كما أن النظام الجزائري اليوم أمامه اليوم فرصة حقيقية لإعادة صياغة العقيدة الديبلوماسية الإقليمية الجزائرية من خلال الانخراط الجدي في جهود الأمم المتحدة لبلورة إتفاق سياسي لقضية الصحراء المغربية يحترم السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية ، ثم وقف التدخلات الجزائرية في الشأن الداخلي لدول الجوار كتونس و ليبيا و موريتانيا و دول الساحل و المشاركة بشكل جدي و مسؤول في مختلف المبادرات التنموية الإقليمية .