نظمت البعثة الدائمة للمغرب لدى الأمم المتحدة بنيويورك ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، حدثا رفيعا حول الأمن الغذائي في إطار المنتدى السياسي رفيع المستوى للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة حول التنمية المستدامة، المنعقد ما بين 8 و17 يوليوز بالحاضرة الأمريكية.
شاركت البعثات الدائمة لكل من رواندا وإثيوبيا ونيجيريا وكينيا في رعاية هذا الاجتماع، المنعقد الثلاثاء حول موضوع “تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، بناء إفريقيا التي نريدها.. شراكات فعالة للقضاء على الفقر وتحقيق السيادة الغذائية والتخفيف من آثار تغير المناخ”.
وتم استهلال هذا الحدث بمداخلات افتتاحية لكل من نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، والسفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، إلى جانب عرض قدمه الرئيس المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، مصطفى التراب.
شارك أيضا في هذا اللقاء السادة تسفاي يلما سابو، وإرنست رواموسيو، وسيندوف إندوني، ونجامبي كينيينغو، على التوالي السفراء الممثلون الدائمون لإثيوبيا ورواندا ونيجيريا وكينيا لدى الأمم المتحدة، والمديرة التنفيذية للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، اسمهان الوافي، والبروفيسور دانيال ناهون، مؤسس المركز الأوروبي للأبحاث وتدريس علوم الأرض البيئية، إلى جانب مسؤولين أمميين رفيعي المستوى وسفراء دول أعضاء بالأمم المتحدة وممثلي منظمات دولية ووسائل إعلام معتمدة لدى الأمم المتحدة.
وتعكس هذه المبادرة تشبث المغرب الراسخ بعمقه الإفريقي والتزامه الثابت، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بالتنمية المشتركة والازدهار بإفريقيا، في إطار التعاون جنوب-جنوب.
وأبرز السيد هلال أن التزام المملكة بالقضاء على الجوع وتعزيز الفلاحة المستدامة ينبع من الوعي الجماعي بالتحدي الذي يمثله الأمن الغذائي في العالم بشكل عام وفي القارة الإفريقية بشكل خاص، مما جعل صاحب الجلالة الملك محمد السادس يضع الأمن الغذائي في صلب أولوياته الاستراتيجية لإفريقيا.
وذكر السيد هلال بأن المغرب استثمر على الدوام في مجال الفلاحة، لاسيما من خلال التعاون جنوب-جنوب في إفريقيا، التي تضم أزيد من نصف الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، موضحا أن المملكة التزمت بتقاسم تجربتها وممارساتها الجيدة مع البلدان الإفريقية الشقيقة.
وأضاف السفير أن هذه المبادرة تتكرس من خلال توصيات قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية لعام 2021، التي تدعو إلى تعزيز الشراكات وتشجيع الاستثمارات بين القطاعين العام والخاص من أجل استغلال أمثل لمؤهلات الزراعة المستدامة.
ولاحظ أن الاستراتيجية متعددة الأبعاد لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في القارة الإفريقية تندرج في هذا الإطار، مشيرا إلى أن المجموعة المغربية، ومن خلال هذا الحضور، تعد اليوم الم و ر د العالمي الرئيسي لمنتجات الفوسفاط بجميع أشكاله، وأيضا الشريك الإفريقي الرئيسي في مجال الخبرة الزراعية.
بدوره، أبرز التراب أن إفريقيا تشهد “ثورة خضراء” حقيقية، معربا عن قناعته بأن العامل المحفز لهذه “الثورة” سيكون قدرة القارة على إنتاج الأسمدة الخاصة بها بالاعتماد على مواردها الطبيعية الوفيرة.
وفي هذا الصدد، لفت الرئيس المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، إلى أنه موازاة مع تضاؤل نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، فإن 60 بالمائة من هذه الأراضي غير المستغلة تقع في إفريقيا، معتبرا أنه من الضروري تغيير التصور بشأن دور إفريقيا في تحقيق الأمن الغذائي.
وأكد أنه “سيتعين على إفريقيا أن تضطلع بدور إيجابي على الصعيد العالمي في ما يتعلق بالأمن الغذائي”، موضحا أن هذا الأمن يعتمد على تغذية التربة والنباتات.
وقال إنه “دون الأسمدة، لن نتمكن سوى من تحقيق نصف إنتاج الغذاء الذي ننتجه اليوم”. وتساءل التراب حول عدم استخدام إفريقيا للأسمدة بشكل كاف، مبرزا أن القارة تعد أكبر م ص د ر للموارد الطبيعية المستخدمة في إنتاج الأسمدة، في الوقت الذي كانت فيه إفريقيا بالقدر ذاته “مستوردا صافيا” للأسمدة الجاهزة.
“ونتيجة لذلك”، يلاحظ التراب، “واجه المزارع الإفريقي مشكلة أساسية تتمثل في الحصول على الأسمدة التي تكون باهظة الثمن في بعض الأحيان، رغم أنه يتم تصنيع هذه الأسمدة انطلاقا من الموارد الطبيعية للقارة.
وأشار التراب إلى أن هذا الوضع تغير عندما قامت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط بتطبيق استراتيجيتها متعددة الأبعاد، وقررت إنتاج الأسمدة في إفريقيا، وتخصيص كمية هامة من هذه الأسمدة لبلدان القارة. ونوه بكون 65 بالمائة من الأسمدة المستخدمة في إفريقيا الآن يتم تصنيعها في القارة.
كما استعرض الرئيس المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تطور المجموعة المغربية منذ إطلاقها لاستثمارات ضخمة في مجال إنتاج الأسمدة، مؤكدا أن المجموعة حققت أزيد من 30 بالمائة من حصة السوق العالمية في مجال إنتاج الأسمدة.
وأضاف أن هذا الأداء مكن المجموعة من الارتقاء إلى المركز الأول في مجال إنتاج الأسمدة، مسجلا أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط أضحت تمتلك طاقة تبلغ 15 مليون طن، واكتسبت حصة كبيرة من سوق الأسمدة الجاهزة في العالم.
واعتبر السيد التراب أن ضمان إفريقيا لأمنها الغذائي يتطلب أن تنتج الأسمدة الخاصة بها، وتستخدم الأسمدة المناسبة من أجل تعزيز الإنتاجية، والمساهمة في تحقيق الهدف الـ13 من أهداف التنمية المستدامة بشأن العمل المناخي وتحسين صحة التربة والتخطيط لتغذيتها بأسعار في متناول صغار المزارعين.
من جانبها، أشادت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة بالاستثمارات التي أنجزها المغرب لتطوير القطاع الفلاحي، من خلال تشجيع الإنتاج المحلي، وإرساء سياسات تحفز تطوير نظم غذائية مستدامة وقادرة على الصمود.
ورحبت بأن هذه الدينامية ساهمت في إحداث فرص العمل وتعزيز دور المرأة في المجتمع المغربي، مشيرة إلى أن النظم الغذائية المستدامة “لا تهم فقط أولئك الذين يستهلكون”، بل كافة الفاعلين المنخرطين في سلاسل الإنتاج.
من جانب آخر، أشارت المسؤولة الأممية إلى أن إفريقيا تزخر بإمكانات هائلة، حيث تمثل 60 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة، معتبرة أنه من الممكن التغلب على انعدام الأمن الغذائي وتطوير ممارسات زراعية مستدامة.
وشددت على أهمية الاستفادة من الشراكات لتحقيق رؤية القارة المتضمنة في أجندة إفريقيا 2063، داعية إلى الوفاء بالالتزامات ليس فقط في ما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة وتسريعها، ولكن أيضا بإفريقيا التي يطمح إليها الأفارقة.
من جهته، أشاد السفير الممثل الدائم لرواندا، إرنست رواموسيو، بالشراكة التي تجمع بلاده بالمغرب في القطاع الفلاحي من خلال مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط.
وأبرز أهمية التعاون مع المملكة ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في مسار تحويل القطاع الفلاحي في رواندا، مضيفا أن الشراكات الفعالة تظل هامة لتسريع وتيرة الجهود المبذولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
بدوره، نوه السفير الممثل الدائم لنيجيريا لدى الأمم المتحدة، سيندوف إندوني، بالتعاون القائم بين بلاده ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، بهدف ضمان الأمن الغذائي في إفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك من خلال إحداث ثلاثة مصانع لخلط الأسمدة بنيجيريا.
وأكد أن مبادرات المجموعة المغربية كفيلة بتحقيق زيادة ملحوظة في إمدادات الأسمدة لنيجيريا والبلدان المجاورة.
كما ذكر بتوقيع المغرب ونيجيريا على أربع مذكرات تفاهم لبناء أنبوب للغاز يبلغ طوله 7000 كيلومتر، سيعود بالنفع على العديد من بلدان القارة، ملاحظا أن هذا المشروع سيساهم في تحفيز إنتاج الطاقة في المنطقة وخارجها.
بدوره، سلط السفير الممثل الدائم لإثيوبيا، تيسفاي يلما سابو، الضوء على مساهمة مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في تحسين الإنتاجية الفلاحية بإفريقيا.
من جانبها، أعربت ممثلة البعثة الدائمة لكينيا لدى الأمم المتحدة عن تقديرها للعمل الذي أنجزته مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في بلادها، لا سيما من خلال تعزيز الممارسات الجديدة في مجال تدبير المغذيات وتعزيز قدرات المزارعين، خاصة في مجال الزراعة الذكية مناخيا.
وفي السياق ذاته، أكد ممثل كوت ديفوار على أهمية الشراكات المتينة على غرار تلك التي تربط مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط بالبلدان الإفريقية، معتبرا أن إفريقيا ستتمكن، من خلال هذه المبادرات، من ضمان سيادتها الغذائية والمضي نحو مجتمع مستقبل أكثر استدامة وشمولا.
وإلى غاية 17 يوليوز الجاري، سيناقش المنتدى رفيع المستوى للتنمية المستدامة التقدم المحرز نحو الهدف الأول المتعلق بالقضاء على الفقر، والهدف الثاني بشأن القضاء على الجوع، والهدف الـ13 بشأن العمل المناخي، والهدف الـ16 بشأن المجتمعات السلمية والشاملة، والهدف الـ17 بشأن تعزيز وسائل التنفيذ.