الغبار العربي والغبار الفرنسي
ذ. عبد الرحيم صادقي
في الوقت الذي كان يدرس فيه الخبراء الفرنسيون مدى خطورة العواصف الرملية (le sirocco) القادمة من الصحراء الكبرى لاحتوائها على عنصر السيز يوم 137 المُشع (radioactif)، نتيجة التجارب النووية خلال ستينيات القرن الماضي، في هذا الوقت كانت وسائل التواصل الاجتماعي عندنا تتناقل كلام ابن خلدون الذي أنجبَه واتساب وفيس بوك: “إن الأرض بعد تقلّب الفصول من فصل إلى فصل تبدأ بلفظ أمراض وحشرات لو تُركت لأهلكت العالم، فيرسل الله الغبار، فتقوم هذه الأتربة والغبار بقتلها.. وتتراوح حجم حبة الرمل بحسب الحشرة، فبعضها صغير يدخل عيونها، وبعضها يدخل أنوفها، وبعضها في جوفها، وبعضها في آذانها وتُميتها…”، إلى آخر هذا الهراء.
كلام يكشف زهدنا في المنهج العلمي، وفي تحقيق الكلام قبل نشره. بل لقد صرنا نتنافس في نشر الخزعبلات، وكأننا في سباق محموم أيّنا يملأ ذاكرة هاتف المرسَل إليه أوّلا. نعم، لا فائدة في كثير مما يُتناقل بيننا إلا إرهاق المتلقي بحذف المرسَلات.
من المؤسف أن يكون أكثر ما يُتناقل في وسائل التواصل الاجتماعي من المبتذَل والغرائبي والسطحي والخالي من المصلحة والمنفعة. فإذا ما وقع أحدهم على نظائر هذه التفاهات سارع إلى الإعجاب والنشر، وإذا ما وقع بين يديه كلام رصين مفيد مرّ كأنْ لم يرَ ولم يسمع.
ولذلك لا غرابة أن تنتشر بيننا الخرافات من كل صنف، وتُعشّش في عقولنا الأوهام على اختلافها، ولا عجب أن يصبح الدّجل بيعا رابحا، والشعوذة تجارة رائجة. فالأبراج الكاذبة والخلطات التي تنفخ الجسم والتي تُخسّسه، والتمائم التي تقي من العين والحسد، ومهنة إخراج الجن من الجسد، والولاة الصالحون كل حسب تخصصه، هذا لعلاج العُقم، وذاك لعلاج البروستاتا، وآخر لتزويج العوانس، … وهلمّ تجهيلا و”تكليخا”!
ومن أجل تثبيت الخرافة يسارع أهلها إلى الدين طلبا للشرعية. فهذا يختم دَجلهُ بقوله تعالى “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”، وآخر يقول: “فسبحان من بيده الحكمة والتدبير”، ثم تنهال التعاليق في هيستيريا جماعية: “سبحان الله، سبحان الله…”. نعم، سبحان الله، ولكن لماذا تكذب على الله وعلى العلم؟ لماذا تكذب على ابن خلدون؟ لماذا لا تتبيّن قبل أن تنشر؟ لماذا لا تسأل أهل العلم إن كنت جاهلا؟ حينها سيخبرك الخبير أن هذه العواصف الترابية قد تسبب التهاب الجلد والعين والرئة، وتُنغّص عيشة المصابين بالربو، وأن الخطر يزداد كلما تمكنت جزيئات الغبار الصغيرة من النفاذ إلى الدم.
على الرغم من أنه لا قياس مع الفارق إلا أنه لا غنى عن المقارنة ولو كانت الفائدة نسبية. هذا الكلام لا يعني مُحبي الغبار، ومن لا يرون ضرورةً لعمل الإنسان حتى يُحسّن شروط وجوده في العالَم، والتكيّف الأنسب مع تغيرات البيئة، فلهؤلاء نقول: هنيئا لكم غبارُكم! بالصحة والعافية! هنيئا مريئا!
ولا يسود المحتال إلا لغفلة المغفل..