ما لا تعرفه عن السنة الهجرية..تقويم يربط الأرض بالسماء والتاريخ بالمستقبل
في كل عام، يستقبل المسلمون حول العالم عاما جديدا ليس كباقي الأعوام، فهو يحمل في طياته ذكريات وأحداث غيرت مجرى التاريخ، إنه التقويم الهجري، الذي يعود بنا إلى لحظة فارقة في تاريخ البشرية، هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة؛ هذا الحدث العميق والأثر الذي تركه في قلوب المؤمنين، ليس مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل كان بداية لعصر جديد مليء بالرحمة والعدل والسلام.
يأخذنا التقويم الهجري في مجرى الزمان، حيث تتلاحق الشهور والأحداث التي شكلت نسيج التاريخ الإسلامي؛ من شهر محرم، أول شهور السنة وأحد الأشهر الحرم التي تحرم فيها الحروب، إلى شهر رمضان المبارك، الذي يغمره روحانية الصيام والقيام، وصولا إلى شهر ذو الحجة الذي يجتمع فيه ملايين المسلمين من مختلف بقاع الأرض لأداء فريضة الحج.
كل شهر هجري له نكهة خاصة وقصة تستحق ان تروى، تجعل من هذا التقويم كتابا مفتوحا على صفحات من نور، مليء بالتضحيات والانتصارات والصبر والإيمان والعبادة والطاعة.
السنة الهجرية عموما، هي التقويم الإسلامي الذي يعتمد على دورة القمر لتحديد الشهور، ويتكون هذا التقويم من 12 شهرا قمريا، مما يجعل السنة الهجرية أقصر من السنة الشمسية بحوالي 10 إلى 12 يوما، ويرجع هذا التقويم إلى هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة، وقد بدأ هذا التقويم من هذا الحدث التاريخي في عام 622 ميلادي.
مكونات السنة الهجرية:
الشهور الهجرية
تتكون السنة الهجرية من 12 شهرا:
محرم – الشهر الأول والذي يعتبر أحد الأشهر الحرم.
صفر – الشهر الثاني.
ربيع الأول – الشهر الثالث ويشهد مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ربيع الآخر – الشهر الرابع.
جمادى الأولى – الشهر الخامس.
جمادى الآخرة – الشهر السادس.
رجب – الشهر السابع وأحد الأشهر الحرم.
شعبان – الشهر الثامن.
رمضان – الشهر التاسع والذي يصوم فيه المسلمون.
شوال – الشهر العاشر والذي يلي شهر رمضان.
ذو القعدة – الشهر الحادي عشر وأحد الأشهر الحرم.
ذو الحجة – الشهر الثاني عشر والذي يتضمن مناسك الحج.
أهمية الشهور الهجرية
تتميز الشهور الهجرية بأهمية دينية خاصة لدى المسلمين. على سبيل المثال:
شهر رمضان: يعتبر من أكثر الشهور أهمية حيث يصوم المسلمون من الفجر حتى المغرب.
شهر ذو الحجة: يتوجه فيه المسلمون إلى مكة لأداء فريضة الحج.
الأشهر الحرم (محرم، رجب، ذو القعدة، وذو الحجة): تمنع فيها الحروب والقتال.
استخدام السنة الهجرية
يستخدم المسلمون السنة الهجرية لتحديد الأعياد والمناسبات الدينية مثل شهر رمضان، عيد الفطر، عيد الأضحى، والأشهر الحرم. كما أن بعض الدول الإسلامية تعتمد التقويم الهجري في معاملاتها الرسمية.
الفروقات بين السنة الهجرية والميلادية:
بما أن السنة الهجرية تعتمد على الدورة القمرية، فهي أقصر من السنة الميلادية التي تعتمد على الدورة الشمسية. هذا يعني أن الأشهر الهجرية تتنقل عبر الفصول المختلفة في التقويم الميلادي على مر السنين.
بداية التقويم الهجري:
بدأ استخدام التقويم الهجري في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كانت هناك حاجة لتحديد نقطة بداية واضحة للتقويم الإسلامي، وبعد مشاورات بين الصحابة، تم اختيار هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة كبداية للتقويم الهجري. وتم اعتماد هذا التاريخ في العام 17 هجري (639 ميلادي) كمرجع لجميع الأحداث الإسلامية.
الأشهر الحرم:
الأشهر الحرم الأربعة (محرم، رجب، ذو القعدة، وذو الحجة) لها مكانة خاصة في الإسلام. تم ذكر هذه الأشهر في القرآن الكريم في سورة التوبة: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ” (التوبة: 36). وكان العرب في الجاهلية يعظمون هذه الأشهر ويمنعون فيها القتال والحروب.
الاحتفالات والمناسبات الإسلامية:
التقويم الهجري يحتوي على العديد من المناسبات الدينية الهامة، منها:
رأس السنة الهجرية: وهو اليوم الأول من شهر محرم ويعتبر بداية العام الهجري الجديد.
عاشوراء: يوم العاشر من محرم وهو يوم نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون، ويصومه المسلمون تيمناً بهذا الحدث.
المولد النبوي: يحتفل المسلمون في 12 ربيع الأول بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الإسراء والمعراج: وهي ذكرى رحلة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الليلية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عروجه إلى السماء.
شهر رمضان: يصوم المسلمون هذا الشهر من الفجر حتى المغرب وهو شهر نزول القرآن الكريم.
عيد الفطر: يحتفل المسلمون بنهاية شهر رمضان بأداء صلاة العيد وتوزيع الزكاة وإفطار الصائمين.
عيد الأضحى: يحتفل به المسلمون في العاشر من ذو الحجة بعد انتهاء مناسك الحج، ويقومون بذبح الأضاحي تيمناً بفداء إسماعيل عليه السلام.
موسم الحج: في شهر ذو الحجة حيث يتجمع المسلمون من مختلف أنحاء العالم لأداء مناسك الحج.
الحساب القمري
تعتمد السنة الهجرية على الدورة القمرية، مما يعني أن كل شهر يبدأ برؤية الهلال الجديد. يتراوح طول الشهر الهجري بين 29 و 30 يوماً، وهذا يجعل السنة الهجرية أقصر من السنة الميلادية بـ 10 إلى 12 يوماً. نتيجة لذلك، يتنقل الأشهر الهجرية عبر الفصول على مر السنين، مما يعني أن شهر رمضان قد يأتي في الصيف أو الشتاء في مختلف السنوات.
تأثير السنة الهجرية:
السنة الهجرية تلعب دورا مهما في الحياة اليومية للمسلمين، ليس فقط لتحديد الأعياد والمناسبات الدينية، ولكن أيضا لتحديد بعض العبادات والأعمال الصالحة التي تتغير مواعيدها حسب التقويم الهجري.
كما يبدأ العام الهجري بذكرى عظيمة ومؤثرة، ينتهي بنا المطاف لنرى كيف أن هذا التقويم ليس مجرد أرقام وأشهر، بل هو نبض حياة للمسلمين. إنه تقويم يشهد على ترابط الأحداث التاريخية بالعقيدة، ويعكس القيم السامية التي حملها الإسلام عبر القرون.
ومع كل شروق هلال جديد، نتذكر دروس الماضي ونستشرف آفاق المستقبل، فالسنة الهجرية، برمزيتها وروحانيتها، تظل نورا يهتدي به المسلمون في حياتهم اليومية، مذكّرة إياهم بقدسية الزمان والمكان، ومرشدة لهم في مسيرتهم نحو الرقي والتقدم.
وفي كل عام هجري جديد، نجد فرصة جديدة للتأمل والتجديد، لنحيي فيها القيم الإسلامية ونواصل المسيرة التي بدأها نبينا الكريم. فالزمن الهجري ليس مجرد تقويم، بل هو تجسيد لرحلة إيمانية مستمرة، تغذي الروح وتقوي العزيمة، وتظل شاهدة على مسيرة أمة نحو التمكين والازدهار.