“سوق الفن وصناعة القيمة” تفتتح موسم أصيلة الثقافي الدولي
انطلقت مساء اليوم السبت فعاليات الدورة الصيفية من موسم أصيلة الثقافي الدولي الخامس والأربعين، المنظم تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، بتنظيم ندوة حول “سوق الفن وصناعة القيمة”.
وشكلت الندوة، التي تفتتح فعاليات الدورة الصيفية من الموسم فرصة لاستعراض رؤى متقاطعة بين فنانين ونقاد وباحثين حول القيمة الفعلية للأعمال الفنية التشكيلية، ومعايير تحديدها بين العوامل الموضوعية والتأثيرات العاطفية، لاسيما في ظل تنامي الجرائم ذات الصلة بعالم الفن والإبداع.
وأكد الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، في كلمة افتتاحية، ان هذه الندوة تنعقد في سياق تداولي تطبعه سمتان بارزتان، تتمثلان أولا في هيمنة ما يمكن وسمه بالظواهر الفنية المؤقتة، من خلال أعمال واختيارات أسلوبية تبرز بشكل متسارع ولافت في مدة زمنية وجيزة، وثانيا في تفاقم ظاهرة الأعمال المزيفة في السوق ولدى هواة جمع الأعمال الفنية.
وذكر بأن موسم أصيلة الثقافي الدولي اختار أن يخصص دورته الصيفية للفنون بعد عقود من الممارسة الإبداعية في مشاغله وفضاءاته العمومية، لكي يضع الفن التشكيلي في سماحته اللائقة، داخل التراكم الفعلي والطموح الجمالي، مذكرا بأن الدورات السابقة تطرقت إلى مواضيع من قبيل “الفن المعاصر والسؤال الثقافي” و”التشكيل المغربي والتداول النقدي”.
من جهته، أكد الناقد والأكاديمي شرف الدين مجدولين، أن “سوق الفن وصناعة القيمة” يطرح سؤال الوساطة لأن سوق الفن سوق غير كلاسيكي وليست هناك علاقة مباشرة بين المبدع والزبون، ما يقتضي الوساطة، معتبرا أن “الفن ليس مجرد مشاهدة، بل هو تملك، فردي أو جماعي”.
وأشار إلى أن “ثقافة التملك لا زالت ضامرة وتخترقها عدة إشكالات”، محذرا من أن الفن التشكيلي صار أكثر الفنون اقترانا بالجرائم، من قبيل تبييض وتهريب الأموال والتهرب الضريبي وتزوير الأعمال، وهي الإشكالات التي ستقاربها هذه الندوة.
من جانبه، اعتبر وزير الثقافة الأسبق، محمد الأشعري، أن “تلقي وتملك اللوحة مسألة لا تهم الجانب التجاري فقط، بل الثقافي التراكمي، وسوق الفن ليس مجردا ولا يخضع لقوانين عامة كالسلع الأخرى”.
وعاد الأشعري بالذاكرة إلى بداية تأسيس الحركة التشكيلية المغربية أواخر ستينات القرن الماضي وسعيها إلى أخذ مسافة و”التمرد” على الإرث الاستعماري وقاعات عرضه وطرقه في الترويج، وذلك من خلال معرض جماعي بساحة “جامع الفنا”، مشيرا إلى أن الحركة التشكيلية سعت إلى إثارة الانتباه إلى أن العمل الفني المبدع من التشكيليين المغاربة له أرض وله مجال عام وينتمي إلى ثقافة مغايرة.
وسجل أن “الهوية الفنية تواجه أيضا مقتضيات السوق وضغوطاته، وأن الفن المغربي يعيش فترة انتعاش منذ عقود ويشكل تجربة استثنائية في العالم العربي والإفريقي”، محذرا من أن “هذه الطفرة لها حدود، وأن حركة السوق لا يمكن ان تعوض البعد الثقافي للحركة التشكيلية”.
أما الفنانة والأكاديمية بكلية الفنون الجميلة بمصر، أمال نصر، فقد شددت على أن “الفن يجتاز مرحلة شديدة الجدل، تجاوزت المثلث المكون من المبدع والمتلقي والعمل، وأن قيمة العمل الفني لم تعد في ذاته، بل صارت رهينة وسط معقد تتحكم فيه عوامل السوق ودوائر المال”، معتبرة أن الفن كان في الماضي عنصرا ضمن منظومة السلطة الرمزية، أي القوة السياسية أو الدينية، لكنه صار اليوم خاضعا لسلطة المال، وصار العمل الفني موضوع مضاربة وسلعة بين الوسطاء.
وأبرزت أن قيمة العمل الفني اليوم صارت رهينة مجموعة من العوامل من بينها القوى المتحكمة في سوق الفن، وسلطة الإعلام، وتحول مفهوم الجمال، وتقييم النقاد، والتسويق الرقمي، والتجاذب بين الاروقة الخاصة، وظهور طبقة مجتمعية ذات قوة شرائية للأعمال الفنية، إلى جانب الارتباط العاطفي للمشتري بالعمل الفني.
وتحدث الناقد الفني والأكاديمي الفرنسي، جون لوي بوتوفان، عن المسار الذي يقطعه الفنان لبناء قيمة مادية أو فنية لإبداعاته على مر السنوات، وهو المسار الذي تدخل فيه مجموعة من العوامل، من بينها الموهبة والرغبة في الإبداع، وتلقي وحكم الآخرين للعمل، إلى جانب العوامل الواقعية وغير الواقعية المتحكمة في السوق الفني (الوسطاء، الاروقة، هواة الجمع، المؤسسات …).
في ختام الندوة، قام المشاركون بجولة في معرض “45 سنة من الحفر والطباعة الفنية” والمعرض التكريمي “مسارات متقاطعة” لمليكة أكزناي وأكيمي نوغوشي ومعرض “خطوط” لعبد القادر المليحي، وجولة على الجداريات التي أبدعها 13 فنانا على أسوار المدينة العتيقة لأصيلة.
يذكر أن الدورة الصيفية ل “موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ45″، التي تنظمها مؤسسة منتدى أصيلة بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل وجماعة أصيلة، انطلقت يوم 5 يوليوز الجاري بالمحترفات الفنية ورسم الجداريات. وسيتواصل البرنامج بندوة حول “الفن المعاصر وخطاب الأزمة” (19 و20 يوليوز)، وتنظيم ثلاث محاضرات موضوعاتية، حول “مدخل لتاريخ النقوش في المغرب” و”تاريخ فن الحفر وتطوره” و”تاريخ الطباعة والنشر في المغرب”.
تجدر الإشارة إلى أن الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الخامس والأربعين سيتم تنظيمها خلال شهري أكتوبر ونونبر المقبلين. وستعرف تنظيم مجموعة من الندوات في إطار الدورة الثامنة والثلاثين لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، إلى جانب ندوتين تنظمان بتنسيق مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد.