قبل أيام، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب وَجَّهَهُ إلى الشعب الأوكراني بنبرة “انهزامية” كما وصفتها محطة التليفزيون الأمريكية CNN استعداده لإجراء مفاوضات مع روسيا، لإقرار سلامٍ عادلٍ بين البلدين حسب تعبيره، مقترحا على الأخيرة إرسال وفدها للتفاوض في القمة المقبلة في سويسرا التي يأمل انعقادها في نونبر/تشرين الثاني القادم.
كما صرح في مقابلة مع شبكة التليفزيون البريطانية BBC “في القمة العالمية الثانية، إذا كانت الخطة جاهزة تماما، وإذا كانت روسيا مستعدة للتحدث علنا عن هذه الخطة، فسنكون مستعدين للتحدث مع شركائنا ومع ممثلي روسيا سواء كان بوتين أو غيره – إلى من يهمه الأمر”.
ويبدو أن الدافع وراء دعوة الرئيس فولوديمير زيلينسكي الى الحوار مرده إلى أمرين:
الأمر الأول: التغييرات السياسية التي قد تطرأ في الولايات المتحدة الأمريكية عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع تنظيمها في نونبر/تشرين الثاني القادم، التي ترجح عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى حكم البيت الأبيض، الذي وعد بأنه سيعمل على إيقاف الحرب وإعادة النظر في المساعدات المقدمة لأوكرانيا، سيما وأن استطلاعات الرأي تشير إلى تقدمه على منافسته الحالية المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
الأمر الثاني: الضغط العسكري الذي أصبحت تواجهه القوات المسلحة الأوكرانية بسبب تصاعد الهجمات وتوالي الانتكاسات التي أضحت تتعرض لها، بسبب التقدم الميداني المحسوب، الذي بات يحرزه الجيش الروسي في مختلف القطعات العسكرية، رغم الدعم العسكري الغربي المقدم مؤخرا لكييف، ما ينبئ بهزيمة عسكرية أوكرانية وشيكة.
ومع ذلك، يواجه الرئيس الأوكراني العديد من التحديات التي قد تحول دون إنجاح خطة السلام مع روسيا لاعتبارات نوردها على الشكل التالي:
التحديات الداخلية
يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحديا يتعلق بالمرسوم الرئاسي رقم 735/2022، الذي يمنع رسميًا التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طالما بقي الأخير في السلطة، وإن أبقى الباب مفتوحا للحوار مع روسيا، لكن مع رئيس آخر للبلاد، حيث يتعين عليه إلغاء المرسوم المذكور الذي سبق أن أصدره في 04 أكتوبر/تشرين الأول 2022، في لحظة طيش سياسي غير محسوب، كمقدمة لفتح باب الحوار مع روسيا، وإلا عُدَّ خَرْقاً للقرارات الرئاسية.
و علاوة على ذلك، هناك الرفض الذي قد يقابل به من طرف بعض أركان النظام الأوكراني، والقوى القومية النازية المتطرفة الرافضة لأي حوار مع موسكو التي تكن عَدَاءً تاريخياً لكل ما هو روسي، إذ ستعتبره تنازلاً غيرَ مقبولٍ ورضوخا لروسيا، دون إغفال ردة فعل المتباينة للأحزاب الأوكرانية على الخطة بين داعم لها المتمثل في حزبه الحاكم ” خادم الشعب”، ورافض لها من طرف حزبي “الحرية(Svoboda)” و “العدالة الوطنية”، أو التحفظ بشأنها مثلما هو الحال بالنسبة لحزب “الكتلة الأوكرانية” الذي تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، ما يُبْرِزُ حالة الانقسام داخل الطبقة السياسية الأوكرانية، ما سيدفع الرئيس الأوكراني إلى الاستعانة بالدول الغربية للضغط على القوى السياسية الأوكرانية الرافضة والمتحفظة للخطة لإجبارها على قبولها، تحت طائلة تعرضها لعقوبات مالية وسياسية.
التحديات الخارجية
طالما عبرت موسكو في عديد المناسبات على لسان أكثر من مسؤوليها، وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن أي اتفاق سلام مع أوكرانيا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الميدانية التي تمثلت في الأراضي التي سيطرت عليها في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك والتي تم ضمهما إلى الدستور الفيدرالي الروسي في أواخر العام 2022، علاوة على الأراضي التي أصبحت تحت قبضتها في الشهور الأخيرة، مع تعهد خطي من كييف بعد الانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي، ونزع أسلحة القوى القومية المتطرفة. وهو ما لا يستطيع زيلينسكي فعله، إذ سيعد ذلك من طرف جبهة الرافضين للخطة تنازلا كبيرا ومسا بالمصالح السياسية والأمنية لأوكرانيا، ما يجعل مستقبله السياسي على المحك وقد يتم تأليب الرأي العام الأوكراني ضده باعتباره خائنا.
لقد أضاع زيلينسكي الفرصة الحقيقية لتحقيق السلام مع روسيا إِبَّانَ المفاوضات التي احتضنتها مدينة إسطنبول التركية في آذار/مارس 2022 عقب اندلاع الحرب بشهر، حيث كان بإمكانه التقاطها لو أحسن التعامل معها، لأن ذلك كان سيمكن بلاده من الإبقاء على كل الأراضي التي ضمتها موسكو إلى ترابها، وحقن دماء خيرة ضباطه وجنوده، لكن نظام زيلينسكي آثر الانبطاح لتعليمات الغرب، بعد تلقيه أوامر من الأخير بالتنصل منها وعدم الالتزام بها، وَهُوَ ما أكده ضمنيا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل شهر تقريبا، في كلمة له خلال حضوره مناورات “افس 2024” في مدينة إزمير التركية.
الخلاصة
تواجه خطة زيلينسكي للتفاوض مع روسيا مجموعة من التحديات المعقدة، إن على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، ويبدو أن الرئيس الأوكراني كمن سيسير في حقل ألغام قد ينفجر أي لغم في وجهه مع أية خطوة يخطوها، لذا فإن تحقيق النجاح يعتمد على كيفية التعامل مع هذه التحديات مجتمعة والتوصل إلى توافقات تأخذ في الحسبان مصالح أوكرانيا وأمنها القومي.