لهذا أفرجوا عن الريسوني بوعشرين والآخرين..
من يدخل المطبخ ويمارس الطبخ يفهم جيدا ما يحدث في عالم السياسة. هناك توابل وزيت ونار هادئة تستوي عليها الخلطات لتصير طعاما ناضجا، قابلا للأكل.
من يعرف الفيزازي مثلا ورفيقي قبل اعتقالهما لن يفهم سر التحول الذي طرأ على شخصيتهما. ما لم يفهم مفعول النار الهادئة ودورها في إنضاج الطعام . لو قيل لهما منذ عقدين من الزمن يد المخزن ممدودة لكما لرفضا قطعا أن يلتقيا مع الدولة في أول الطريق أو منتصفه،
فما بالك بالارتماء في حضنها والتماهي مع كل توجهاتها وقبلهما جمع من مناضلي اليسار الصبار وبنزكري واليزمي والسياسي الداهية اليوسفي ورفيقه بوزوبع و ولعلو، وقبل هؤلاء جمع من الإسلاميين ممن خرجوا من عباءة الشبيبة الإسلامية مطالبين بتغيير النظام وانتهوا داعمين لأسوإ خياراته.
لو عاد الزمن قليلا إلى الوراء من كان يظن أن الرميد والرباح وبنكيران و الخلفي سينتهون قرابين على مذبح استقرار المخزن ومصالحه.
تجارب الحقبة التي تلت الاستعمار وما جرى بعيد نهاية مجموعة شيخ العرب ووأد ثورة 73 وما حدث لتجاوز الربيع العربي ثم محاولة بسط سيطرة الدولة على كل شيء بعيده بقليل كل ذلك يعطينا مفاتيح لفهم ما يجري حاليا ومستقبلا أو لنقل يعيننا على فهم كيف تنظر الدولة لمعارضيها وخصومها.
إن المعارضة شرط أساسي لتستمر الدولة والدول التي أفرطت في الشمولية انهارت على نحو مريع ، إن دولة في حجم وقوة الاتحاد السوفياتي عجزت عن الاستمرار لأنها حجرت على كل أشكال المعارضة، وهذا درس يستوعبه المغرب جيدا ، ولهذا لا تضع الدولة بيضها في سلة واحدة. هنا اليسار واليمين هنا دعاة الإفطار العلني في رمضان والسلفيون الحهاديون.
هنا انعكاس لكل ما يحدث في الكون من عهر وتدين وفساد وتشدد والدولة ترغب في حفظ بقائها وما عليها سوى أن تلعب دور المايسترو في فرقة الموسيقى او الشيف المحترف في المطبخ للتوفيق بين الأضداد والمتناقضات لا بد من توازن في المشهد السياسي والإعلامي والاقتصادي والاجتماعي لتبقى الدولة وهذا أمر لا ينضبط في غياب معارضة حقة تقول لا حين يقول الجميع نعم وإن عدمت هذه المعارضة فلا بد من صنعها ثم تروض وتهذب ويشذب اندفاعها ليكون وجودها سببا في استمرار النظام لا انهياره.
والمتابع للشأن المغربي سيلاحظ أن معارضة الداخل غائبة كليا وعاجزة وغير فاعلة على الإطلاق ومعظم الأصوات المنتقدة تصدح من الخارج متحررة من كل أشكال القيود وهذا خطير إلى أبعد الحدود وقد أثبتت التجارب الماضية أن هناك خياران لا ثالث لهما وجود معارضة تنبثق من الداخل ويجري ترويضها لتخدم خيارات السلطة أو تنامي معارضة في الخارج تجهل أجنداتها وطبيعة القوى التي تقف خلفها وهذا النوع من المعارضة لا سقف لطموحه وثورة 73 ومحاولات الفقيه البصري أو مطيع الحمداوي أو شيخ العرب لقلب نظام الحكم من الأمثلة التي توضح ذلك.
لقد التفتت السلطة إلى هذا الخلل الخطير في تدبير التوازنات الداخلية على كل المستويات وصار لزاما ومنذ وقت غير قصير الانخراط مجددا في بناء معارضة فاعلة أو إحياء معارضة موجودة مع ترويضها وتشذيب اندفاعها وهذا لا ينضبط بغير بناء مشهد إعلامي جديد لأن المشهد الحالي لا يشرف وجه المغرب وهنا تحضرني قصة مهمة للغاية حين احتاج المغرب لوجه إعلامي للترافع حول الوحدة الترابية في الجزائر فوقع الاختيار على الراحل الجامعي والغريب أن الذي اختاره هو خصمه وعدوه اللدود إدريس البصري تدرون لماذا ؟.
لأن كل كلام كان سيقوله شخص مثل مصطفى العلوي يومها كان سيكون باردا بلا معنى…
سعيدة لإطلاق سراح الريسوني وبوعشرين وغيرهما ومتفائلة أكثر بقرب منح هامش حرية أكبر للأقلام الحرة
على الأقل لنكون أمام خيارين هما الرداءة، وبعض الحقيقة .أما أن نكون أمام الرداءة وبعض الرداءة مثلما نحن عليه اليوم فمصيبة ما بعدها مصيبة.