نور الفكر والتفكر
قد تستغرب يا صديقي إذا ما أخبرتك أن خمسين بالمائة أو أكثر من الناس لا يميزون بين التفكير والتخميم والسهو والتركيز أيضا،لقد كنت في ما مضى أنتمي إليهم .أظنني أفكر بينما أنا شاردة الذهن. وهذا بحد ذاته يجعل المرء تابع ومسيطر عليه، بدل أن يكون هو المتحكم بحياته.
ويعني بالفكر عملية تشغيل الدماغ في أمر ما ؛بهدف الوصول الى أمر جديد غير موجود .فالمفكر ليس هو من يعيد صناعة العجلة .إنه من خطط لصناعتها قبل أن تكون في الوجود.
إن التفكير هو الأساس الذي ينبني عليه السلوك والمشاعر والأحاسيس والنتائج.بوصفه السباق لكل شيء قولا وفعلا.
حيث ان كل فكرة من الأفكار تقودنا إلى الفهم؛ثم الى القرار منتهية بالفعل والسلوك والمواقف.
يتجسد السلوك الإنساني اليومي إنطلاقا من خلاصة ما قمت بإكتسابه وتعلمه والشعور به في السابق من الأيام. وذلك بطرق مباشرة وغير مباشرة ؛عن طريق التربية والتعليم ؛السمع والملاحظة ؛القراءة والإعلام .ثم من خلال الأحاسيس التي نستشعرها خلال تجاربنا المشاعرية .
تلعب المخلفات الإجتماعية المسمات في علم الإجتماع بالخلفيات الإجتماعية والدينية دورا كبيرا في السطو على العملية الفكرية للشخص العادي ،الذي لا يبدل أي جهد للتحكم في أفكاره. وعليه فكلما يؤمن به الشخص ويتقبله بحياته ؛سواء بشكل سلبي أو إجتماعي سيتحول في القادم من الأيام الى واقع معاش .الفكرة تتجلى عن طريق تكرارها بشكل مستمر وتأيدها أيضا مشاعريا ثم فكريا.المشاعر تجسد السلوك. كما يقول الكاتب ريتشارد باش في كتابه اوهام illusions “لو أخدت تدافع عن اوجه قصورك وتبررها ؛لاشك انها ستتحول الى حقائق مؤكدة”.
دعونا نلقي بنظرة تحليلة حول ما يسير عليه الفكر الإنساني اليوم.نسبة كبيرة من ساكنة هذا الكون يسيرون وفق نظام البرمجة والتبعية .النخبة المخفية والقليلة والواعية لسر الفكر هي من تسير اغلب العقول .وفق مجموعة من المنظومات التكنولوجيا .وبطرق يسيرة تجعل الشخص مخترق عقلا حيث يفقد السيطرة عن أفكاره بشكل كلي . يحدث هذا بشكل خارق للعادة. ومدهش ايضا اذا تعمقت فيه.تجد اغلب الناس يفكرون ويعملون وفق ما هو موجود في الأجهزة الإلكترونية التي يستعملونها .حتى ينتابني الشك وأقول من صنع التكنولوجيا الإنسان ام التكنولوجيا هي من صنعت الإنسان وأوجدته.!هل التفكير خيار ارادي للإنسان ام ملكة لا يملكها إلا القليل .؟لماذا أغلب الناس لا يفكرون.؟
للتفكير إرتباط وثيق بالبيئة الهادئة .اذ يؤثر الضجيج وازدحام الناس على العملية الفكرية للدماغ .حيثما وجد التشويش والمأثرات قل التفكير. أن كل إحساس أو سلوك يتولد من فكرة سواء كانت سلبية ؛او إيجابية . ولها إرتباط كبي بالزمان والمكان والمحيط الذي يتواجد فيه الشخص .كلها نقط مترابطة ببعضها البعض لها علاقة بالصوة الذهنية التي يلتقطها الشخص حول ذاته وشخصيته.وأيضا بالتقدير الذاتي والثقة بالنفس التي يمنحها لنفسه….بمعنى أدق كل شيء يفكر فيه ويمر بالدماغ يتم تجسيده سلوكيا على الواقع وذلك بشكل لا إرادي.
هنا أقول أن سلطة الفرد تكمن في قدرته على التحكم بأفكاره.كلما راقب المرء أفكاره وماذا يدور في عقله .كلما سيطر على سلوكه ونظمه. وتغلب على مشاعره أيضا.
فلا يمكن أن تفكر في حادث مؤلم تعرضت له في صغرك وهو مخزن بالامجدلة وتبتسم أو تقهقه . طبعا سينتج على ذلك مشاعر الحزن وسيكون السلوك هو البكاء او الكأبة …يقول المفكر روبرت كولير “مامن شيء على وجه البسيطة إلا ويمكنك أن تملكه بفكرك بمجرد أن تؤمن بحقيقة أنك تستطيع ذلك”. إذا رغبت بالحزن فكر في الحزن؛ وإذا رغبت بالضحك فكر بنكة مضحكة لا بمأتم احد اقاربك.
تعددت المسببات التي تجعل الإنسان مغيب لا يفكر.أولها كما قلت سلفا الضجيج ؛و أقصد هنا ضجيج الفكر .أن تفتح دماغك على مصرعيه فيلتقط من هنا وهناك بين ما هو سلبي وإيجابي .تجعله كقطعة إسفنج تمتص الأفكار.
الإنسان الواعي يراقب ويختار وينقي ما يدخل دماغه.ويراقب دماغه ماذا يشغله على الدوام. هذه العملية تجعل المرء لا يختار إلا ما ينفعه من الأفكار وما يناسب أهدافه.
وأيضا كثرة الكلام؛الإنسان الذي يتكلم كثيرا ويثرثر هو لا يسمع والذي لا يسمع لا يفكر مغيب عن الواقع. فالصمت هو العملية الأولى التي يصفى منها العقل ويربى على الإتجاه الفكري الذي تريده انتوليس غيرك.
تتم عملية الصمت في الصلاة وتمارين اليوغا ؛وتمارين التنفس والتأمل والتدبر .كلها عمليات تساعد على الصمت.
يفكر الإنسان كثيرا في الخلوة وحينما يحدد أهدافه.أي يعرف جيدا ماهية وجوده في هذا الكون.يعرف رسالته و واجبته ؛والى أين هو متجه.الشخص عبثي الوجود على الأرض لا يملك هدفا ولا رسالة غالبا يكون مسيطر عليه فكريا يقضس وقته متتبعا لكا ينتجه الغير.
للصحة النفسية تأثير كبير على عملية الفكر والتفكير .لذلك أقول أن مريض القلون العصبي أو الإكتئاب لا يفكرون إلا بالألم والأحزان؛ بشكل مستمر ولا يستشعرون إلا الألم .لذلك الجسد العضوي جسد تلك الأفكار على شكل مرض يسمى الأمراض السوماتيكية.