نظام العلاقات
إن المحور الأساس الذي تدور عليه عجلة الحياة بشكل عام هو العلاقات .ولا شك أن المشكل المؤرق للإنسان بعد البحث عن المال هو العلاقات ؛ بإعتبارها مصدر للإحترام والتقدير ،وهما أهم جزء بهرم “ماسلوا”.الذي يلخص حاجيات الإنسان في الكون.
يقصد بالعلاقة بالمعنى العام ، ذلك الرابط بين فردين إثنين ويجعلهما في تواصل وإحتكاك مستمر .بالمعنى الخاص والأدق هو السماح لشخص ما أن يدخل إلى حياتك ليؤدي رسالة أو دور معين.
وتختلف أنواع العلاقات بين علاقات عامة تشمل المحيط الخارجي ،كالجيران والناس الذين قد يلتقي بهم الشخص في يومه .ثم علاقات خاصة تكون مؤطرة بسبب معين ؛قد يكون العمل أو القرابة أو الزواج أو الصداقة …أسميها خاصة، كون يؤطرها هدف معين لا بد من تحقيقه في النهاية.
ويمكن تصنيف هذه العلاقات الى شقين:
- علاقات سامة :هي التي يبذل فيها أحد الطرفين مجهودا كبيرا لإستمراريتها وقد يستنزف فيها كليا. وغالبية هذه العلاقات يكون فيها التعذيب النفسي ؛والإكراه والعنف والتقصير والتجاهل . وتكون أرضية مناسبة لإستنزاف الطاقة في الفراغ . كما أعتبرها مصدرا أولي لمشاعر العار والدونية .أغلب من يدخلون في هذه العلاقة يخرجون منها على شفا إنهيار كامل لدواخلهم، إن لم ينعكس ذلك على حياتهم الخارجية.
- علاقات إيجابية ومدعمة :أطلق عليها إسم العلاقات الداعمة ؛حيث تكون مليئة بالطاقة الإيجابية والتحفيز والتجديد .يستمد منها الحب والحنان، وتدعم الثقة بالنفس .وتدفع بالشخص إلى التغير والتجديد والبحث المستمر عن الإرتقاء .
إسمح لي يا صديقي أن أخبرك أن معرفة الشخص بهذه المعلومات عن العلاقات لا يكفي لكي ينجح في نظام العلاقات. حيث نجد أغلب الأفراد يشتكون من فشلهم في العلاقات ويفضلون الوحدة والإبتعاد عن الجميع تحت مقولة أجد نفسي بعيدا عن العلاقات ؛أو هناك من يهلل بالوحدة خير من وجه المخلوقات الإنسانية. كلها شعارات تحمل معنى واحدا، هو أن الشخص فاشل في نظام العلاقات.
هناك عدة مسببات تجعل منظومة العلاقات إما مخربة وفاشلة بإمتاز؛أو أن تلقي بأحدهم في سجن العلاقات السامة فيحاول نصف عمره أن ينجوا بروحه منها.
أولها جهل أغلب الأشخاص للعلاقة الأولى وهي العلاقة بالذات .التركيز المستمر عن الخارج عوض الداخل؛البحث عن الكمال وإستكمال النقص في العالم الخارجي .ما يجعل الوعي بالذات يقل أو يغيب في بعض الحالات.
الذات الداخلية هي الأساس والمحور لكل علاقة خارجية كيف ما كانت .وأعتر الخارج ماهو إلا إنعكاس مرآتي يجعل ما بالداخل يتجلى في الخارج.
حيث تجد الإنسان الذي يعاني من ضعف الثقة بالنفس أو الشعور بالنقصان ؛يبحث دائما عن شخص يغطي به ما يحس به فلا يجذب لنفسه إلا شخص نرجيسي مستغل وناكر بإمتياز .أو لا تجده إلا في علاقة سامة يجلد فيها.
عكس الشخص القوي والطموح يكون مسار علاقاته إيجابي دائما يحصل على الدعم والتحفيز .ويجذب الناس لحياته دون بذل أي مجهود لإثارتهم.
فالعلاقات خلقت لتجسد ما في الدواخل على الخارج ولا يمكن أن يحدث تغير بمسار العلاقة خارجيا، إلا إذا تم داخليا.
هذه القاعدة عامة وشاملة حتى في العلاقات الروحية حيث يقول الله عز وجل “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. وعليه يعد أساس أي حل أو تغير خارجي هو التغير الداخلي . والمقصود به هنا تغير الأفكار التي تسيطر على العقل الباطني من أفكار سلبية معوجة إلى أفكار إيجابية . فالذي يفكر أن الناس عامة يريدون إستغلاله حتما سيستغل وسيستنزف أيضا.
يشمل التغير الصورة الذهنية عن الذات ومدى تقديرها؛ أحدهم يستصغر بنفسه ويعتقد أن اتصاله ووجوده بقرب شخص ما سيزيده الثقة والهبة. لن يجذب لحياته إلا نرجسي حقير يعلمه الثقة بالنفس ويخلصه من التعلق .
إذا ما قرأت كتاب الذكاء العاطفي للكاتب “دانييل غولدمان”؛ستجد أن معرفة الشخص بذاته العاطفية وتمكنه من قراءة جسده المشاعري ؛وكذلك معرفة أصل سلوكياته وردات فعله يمكنانه من معرفة من حوله وإلتماس الأعذار لهم. فالقارىء لنفسه عارف في الناس. قيل لأحد الفلاسفة الحكماء ماذا عرفت .قال عرفت حدودي.
نظام العلاقات يشتغل على شكل دوائر متشابكة مع الأفكار التي تدور بدماغ الشخص.الذي يغيب عن الأغلبية التي تعاني من مشاكل في العلاقات، وإنطلاقا من أغلب الجلسات التي أجريتها مع عملائي في موضوع نظام العلاقات؛ أن كل دائرة من الدوائر التي توجد خارج الذات الداخلية لها دور ورسالة بحياتك.
تبدأ هذه الرسالة مع بداية العلاقة وتنتهي فور إختفاء الشخص وإنتهاء العلاقة. لذلك الشخص الواعي لا يركز على المشاعر وإقحام الجسد المشاعري في العلاقة ؛كونه يشتغل بشكل تلقائي رباني غير متحكم فيه .فيركز تركيزه على قراءة رسالة العلاقة في أسرع وقت ممكن ليفهم الدرس. وذلك بطرح السؤال مادور هذا الشخص الجديد بحياتي وما دوري أنا بحياته. لأنه في الغالب قد تكون لست مستقبل الرسالة ولكن من عليه بتقديمها.
الحديث عن نظام العلاقات يتطلب وقتا كبيرا لفهمه على شكل تدريب جماعي .فقط حاولت أن اختصر منه المفيد والأعمق.
وفي الختام أقول أن السماح بالبداية والنهاية ومرور الناس بحياتنا بشكل سليم دون تعلق او تملك ؛يجعل نظام العلاقة مستمر وإيجابي أيضا.