التغير من الداخل
لقد أصبح الحديث عن التغير والتجديد موضة في مجالس النخبة والمجتمعات المتقدمة؛ يتباهى به الأشخاص مع بعضهم البعض بحيث يعد الأكثر تغيرا لسيارته أو لساعاته او لهندامه؛ وأثاث منزله…هو الإنسان المتقدم والذي يسير مع الموضى.وهو الأكثر وعيا وثقافة من بين الجميع.
يعنى بالتغير الإنتقال من شيء نمطي معتاد إلى شيء جديد سواء على المستوى المادي والمشاعري والنفسي والفكري .
إن التغير الذي أتحدث عنه الآن ليس بمنظوره المادي، وإنما تغير الداخل . إذ يسقط أغلب الناس في فخ التغير اثناء وقوعهم في أزمات نفسية أو صدمات . فيشتغلون على تغير الخارج من نمط اللباس ؛وقص الشعر في صفوف النساء وما إلى ذلك من تغير المنازل والأصدقاء ..الخ .وكل ذلك يزيد من الألم لدى الشخص ويزيد من كثرة الأزمات .فتنتشر الأراء القائلة أن التغير مجرد خدعة لكسب المال، وجذب العملاء.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..”صدق الله العظيم ؛إشارة عظمى من الله تعالى إلى ضرورة بدأ التغيير من الداخل وليس من الخارج.
في السنوات الأولى من حياتي قبل الوعي والتنوير كنت أسمع هذه الأية تتردد عني بإستمرار فتثير إزعاجي فكريا كوني لا أفهم معنى قوله “حتى يغيروا ما بأنفسهم”. ظلت هذه الجملة مبهمة؛ أحيانا أربطها بالجسد فانظفه وأحيانا أربطها بمحيطي الخارجي . فيحدث تغير بسيط بمزاجي ثم يختفي بعدها وأجد نفسي في نفس الدوامة .وهذا الإشكال الذي يسقط فيه عامة الناس.
إن الحديث عن التغير معناه الحديث عن مسار الفكر والمشاعر التي نستشعرها بشكل يومي ؛بإعتبارهما المسؤولان عن الأفعال الخارجية والسلوكيات الظاهرية. بمعنى الإشتغال بالعلاج السلوكي والمعرفي لدى الشخص.
على ماذا إذا يعتمد التغير ؟
الأفكار هي التي تتجلى فتغدوا أفعال ؛وبالتالي الإستمرار في جرد نفس نمط الأفكار التي تمتصها من المحيط و العالم الخارجي بشكل يومي ،يصنع نفس الأحداث .
الأحاسيس والمشاعر التي يستشعرها الشخص تجعل الأمجدالة تعيد نفس الصور الذهنية المرتبطة بالإحساس فتعيد نفس الحالة أو بشكل أعمق تعيد تجسيد الصورة الذهنية نفسها.
فالذي يعيد ملف جنازة والدته بدماغه ؛يستحضر الصور الذهنية في دماغه .هذه الصور تعمل اللوزة أو الأمجدلة على إستحضار المشاعر المتعلقة بها والتي قامت بتخزينها .فتجده يبكي وينوح بنفس الشكل الذي كان عليه حينما توفيت والدته .بل أكثر من ذلك إن سألته عن الألم، سيقول لك نفس حدة الألم التي إستشعرها يوم توفيت والدته أو أكثر منها.
وعليه هناك ثلاثة عوامل تمنع الشخص من التغير وهي:
- التفكير في الماضي بشكل مستمر.
- التفكير في الألم بشكل مستمر.
- الإستماع للشكاوي والسلبيات ومشاهدتها بشكل مستمر.
هناك آية عظيمة تجسد لنا هذا الموقف وهي قوله تعالى “في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا” .صدق الله العظيم.
يقول الإمام الشعراوي في تفسيره لهذه الأية .”لما علم الله تعالى الخبث والحقد والغل والكره الذي في قلوب المنافقين إتجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم زادهم حقدا وكرها وغلا وازدادوا ألما وغيضا”.
أي أن كل فكرة أو نية في جوف الإنسان تزداد وتنموا وتتجلى على الواقع. فالشخص الذي يفكر بالمنحى الإيجابي سيغدوا بمسار ناجح ومتغير .والذي يفكر بمنحى سلبي يعيش ويشعر بمشاعر سلبية .
بل أكثر من ذلك، إذا إعتبرنا الأحداث الواقعية إنعكاس لما بداخل الشخص؛ فأي فكرة متكررة في دماغك هي مسؤولة عن حدث تعيشه في الخارج .
وختاما أقول أن التغير قانون ضمن القوانين الكونية التي يسير عليه الكون .أي أن كل موجود قابل للتغير سواء إنطلقا من ذاته أو من عوامل خارجية .الإنسان الذي يشتغل على نفسه ويطورها بشكل مستمر سيتغير على النحو الذي يريده هو. وإن ترك نفسه للمجهول ستعمل قوى خارجية في تغيره على النحو الذي تريده هي.