الفاروق عمر بن الخطاب أعز الله به الاسلام
ولد أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، سنة (40 ق.هـ / 585م) بعد عام الفيل، بعد مولد الرسول محمد بثلاث عشرة سنة، بمكة المكرمة. كان والده الخطّاب بن نفيل بن عبد العزى، من سادات قريش، و عرف بمعاملته الغليظة، أما والدته حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، فهي ابنة عم كل من أم المؤمنين أم سلمة، والصحابي خالد بن الوليد، وعمرو بن هشام، كما كان له أشقاء، فاطمة بنت الخطاب، وزيد بن الخطاب، الذي سبقه الى الاسلام.
كان منزله في الجاهلية في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، ويقع قي مكة المكرمة بالقرب من المسجد الحرام، و عمل راعيا للابل و هو صغير.
تميز بن الخطاب بتعلم القراءة، حيث كان من القلائل الذين يعرفون القراءة والكتابة، واشتهر بقوته البدنية الهائلة، فكان إذا ضرب أوجع، زيادة على تعلمه ركوب الخيل والفروسية، والشعر. وكان يحضر أسواق العرب وسوق عكاظ وسوق مجنة وسوق ذي المجاز، فتعلم بها التجارة، التي ربح منها مالا وفيرا، وأصبح من أغنياء مكة، رحل صيفًا إلى بلاد الشام وإلى اليمن في الشتاء.
كما كان سفير قريش، لكونه أشرفها، فإن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به، بعثوه منافرًا ومفاخرًا. ونشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كغيره من أبناء قريش، وكان مغرمًا بالخمر والنساء.
اتصف عمر بن الخطاب ببشرته البيضاء تعلوها حمرة، كان حسن الخدين، أصلع الرأس، له لحية مقدمتها طويلة وتخف عند العارضيان، وقد كان يخضبها بالحناء وله شارب طويل، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء لشدة خشيته من الله، وكان طويلا جسيما، تصل قدماه إلى الأرض إذا ركب الفرس يظهر كأنه واقف، وكان أعسراً سريع المشي.
عرف بإرادته و عزمه و حزمه، و شخصيته القوية، كانت له هيبة بين الناس، اضافة الى العلم ورجاحة العقل وحسن التصرف، كما عرف عنه الجدية، وقلة الضحك، وجهورية الصوت متميزا بالمسؤولية، والفراسة، والعدل.
ويعتبر عمر بن الخطاب أحد أبرز عباقرة السياسة عبر التاريخ، حيث أثبت كفاءته في إدارة شؤون الدولة خلال عام القحط الذي وقعت البلاد خلاله في مجاعة عظيمة، فتمكن بفضل اتباعه لأساليب فعالة ديناميكية من إنقاذ ملايين الأشخاص من الموت. و اشتهر باستراتيجياته العسكرية الباهرة، التي وضعته ضمن قائمة أبرز العسكريين في التاريخ.
وكان إسلام عمر في السنة الخامسة من البعثة حدثا بارزا في التاريخ الإسلامي، فقد قوى وجوده في صف المسلمين شوكتهم، فقبل إسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب، كان المسلمون يخفون إيمانهم خوفا من تعرضهم للأذى، لقلة حيلتهم وعدم وجود من يدافع عنهم، أما بعد إسلامهما، أصبح للمسلمين من يدافع عنهم ويحميهم، لا سيما أنهما كانا من أشد الرجال في قريش وأمنعهم، وكان عمر يجاهر بالإسلام ولا يخشى أحدا.
ويلاحظ فرحة المسلمين بإسلام عمر في عدة أقوال منسوبة إلى عدد من الصحابة، منها ما قاله صهيب الرومي: «لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به»، وما قاله عبد الله بن مسعود: «ما كنا نقدر أن نصلّي عند الكعبة حتى أسلم عمر»، و:«ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر».
يعد عمر بن الخطاب أحد أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أهل السنة والجماعة، فيعتبرونه أحد أكثر الرجال ورعا وتقوى، ومن أشد الصحابة حبًا للإسلام ودفاعًا عنه وعن أهله، ومن أكثرهم إخلاصًا له. وهم يقرون بصحة خلافته كما بصحة خلافة باقي الخلفاء الراشدين، ويعتبر أهل السنة أن عمرَ كان مثال القائد الصالح، فلم يتخذ عرشا ولم يعش حياة مختلفة عن حياة الناس العاديين ودائما ما فضل مصلحة الأمة الإسلامية على مصلحته الشخصية، وإنه ثالث خير الناس للأمة بعد الرسول محمد وأبي بكر الصديق.
كان ابن الخطاب قاضيا خبيرا، وقد اشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل.
تزوج بن الخطاب وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية والإسلام، ففي الجاهلية تزوج ريبة بنت أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم المخزومية القرشية،و أم كلثوم مليكة بنت جرول الخزاعية، و زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحية القرشية.
أما بعد الاسلام، فتزوج كل من جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأوسية الأنصارية، عاتكة بنت زيد وهي ابنة زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي العدوية القرشية، أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن مخزوم المخزومية القرشية، و أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية. و له ثلاثة عشر ولدًا.
بالنسبة لوفاته، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بخنجر ذات نصلين ست طعنات، وهو يصلي الفجر بالناس، وكان ذلك يوم الأربعاء 26 ذي الحجة سنة (23 هـ، الموافق لسنة 644 م)، وحاول المسلمون القبض على القاتل، فطعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك، ألقى رداء كان معه على أبي لؤلؤة فتعثر مكانه وشعر أنه مأخوذ لا محالة فطعن نفسه منتحرا.
مات عمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام من طعنه، ودفن يوم الأحد أول محرم سنة (24 هـ، الموافق لسنة 644 م)، بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق والنبي محمد، وكان عمره خمسا وستين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة، وقد استطاع في هذه الفترة القصيرة أن يُرسي قواعد الدولة الإسلامية الأولى التي أنشأها النبي محمد صلى الله عليه و سلم.