أصدرت وكالة إستخبارات الأمن العام اليابانية PSIA تقريرها السنوي العام لسنة 2011 بعنوان “وضعية الإرهاب في العالم ” حيث كشف التقرير بناء على تقدير موقف رصين ونتيجة أبحاث دقيقة عن وجود علاقات واضحة و أكيدة بين قيادات من تنظيم “جبهة البوليساريو” الإنفصالي وتنظيمي “القاعدة في شبه الجزيرة العربية ” و ” القاعدة في المغرب الإسلامي” فالمعروف أن مخيمات الذل و المهانة في تندوف كانت ولازالت تشكل قواعد إسناد خلفية للتنظيمات الإرهابية العابرة للصحراء الكبرى و الساحل بل هي اليوم في ظل الأوضاع المأساوية و حالة إنسداد الأفق الذي يعيشه المحتجزون في المخيمات تشكل خزانا بشريا و بيئة حاضنة مثالية لإمداد الميليشيات الإرهابية في الساحل و الصحراء بالعنصر البشري المدرب على حمل السلاح و القيام بعمليات الإختطاف و القتل و الإرهاب ؛ حيث صنف التقرير الإستخباراتي المحكم بوضوح كامل البوليساريو ضمن لائحة “المنظمات الإرهابية” التي تهدد الأمن القومي الياباني و هو نفس النهج الذي سارت عليه تقارير السنوات اللاحقة ،كما أن نفس التقرير لسنة 2016 الصادر عن نفس الجهاز المخابراتي أكد أن منطقة تندوف تعدّ منطقة غير آمنة بسبب تسجيل حالات من الاختطافات المتتالية لعمال الإغاثة من طرف المنظمات المتطرفة في الصحراءالكبرى بتواطئ مع الأجهزة الأمنية التابعة للميليشيا في الرابوني ، كما أصدرت ذات الوكالة تحذيرات ومخاوف من انعدام مقومات الأمن بتندوف بسبب تردي الوضع الأمني في منطقة الساحل جنوب الصحراء، وتزايد النشاطات الإرهابية بمنطقة الساحل و بليبيا.
ويعتمد التقرير الياباني حول الإرهاب في العالم على مقاييس محكمة يحددها مفهوم ياباني دقيق للأمن القومي يشمل كل التهديدات التي تهدد أمنها الداخلي وكذا مصالحها الاقتصادية خارج البلاد، ويسمح هذا الإطار الشامل للتقارير بتحديد ومعالجة مجموعة متنوعة من المخاطر التقليدية وغير التقليدية، والتي قد تؤثر على إستقرار اليابان وإزدهارها حيث أن هذه التقارير تنظر إلى التهديدات التي تواجه وصول اليابان للموارد والتجارة والأنشطة البحرية في العالم بإعتبارها جزءًا لا يتجزأ من حسابات أمنها القومي.
في الجانب المشرق من القصة حقيقة مهمة هي أن العلاقات المغربية اليابانية ليست بالطارئة أو وليدة اللحظة بالعودة إلى بداية الثلاثينات إنتبه صانع القرار السياسي في طوكيو إلى أهمية المملكة الشريفة في التوازنات الجيوسياسية الدولية بناء على موقعها الجغرافي المتميز فكانت بعثة 1932 لتتطور هذه العلاقات بإقامة علاقات رسمية و تبادل للسفراء إبتداءا من 1961 و علاقات إقتصادية متوازنة حيث قامت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جيكا)، منذ سنة 1967 في إنجاز بعض مشاريع البنية التحتية، ولا سيما في العالم القروي والصيد البحري والفلاحة والصحة من خلال تقديم منح وقروض ميسرة.
في رسالة بالغة الرمزية للسيد هيداكي كوراميتسو، سفير الإمبراطورية اليابانية بالرباط، الموجهة إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى الرابعة و العشرين لعيد العرش المجيد عبر فيها بوضوح على إشادة بلاده بالجهود المغربية لحل النزاع المفتعل بإعتبارها جهودا جادة وذات مصداقية .
و بالقاهرة في شتنبر 2023 على هامش أشغال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الشؤون الخارجية و في مباحثات بين وزير الشؤون الخارجية الياباني السيد هاياشي يوشيماسا و السيد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي و عبر بيان إلى الرأي العام الدولي أكدت اليابان على ترحيبها بجهود المغرب الجادة وذات المصداقية من أجل المضي قدما بالعملية السياسية في الصحراء المغربية ، كما أكد رئيس الدبلوماسية اليابانية على أهمية مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، معربا عن دعمه لجهود الوساطة التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي إلى الصحراء المغربية .
و في 31 ماي 2024 عبرت اليابان تقديرها “لجهود المغرب الجادة وذات المصداقية” في إطار مبادرة الحكم الذاتي من أجل تسوية سياسية لقضية الصحراء المغربية ،وذكر بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية اليابانية أن هذا الموقف قد عبرت عنه وزيرة الشؤون الخارجية اليابانية يوكو كاميكاوا، خلال مباحثاتها بطوكيو مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة في إطار جولة أسيوية ناجحة للسيد الوزير كان لها أثر كبير على تموقع المغربي جيوسياسيا في المنطقة و على مجهوداته في الترافع الجدي لترسيخ سيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية .
إذن الموقف الياباني من ميليشيا البوليساريو واضح لالبس فيه و لا مجال للمناورات البئيسة للنظام الجزائري من أجل توريط اليابان في أجندتها الخبيثة فمحاولة النظام الجزائري إقحام ممثل ميليشيا البوليساريو في الإجتماع التحضيري لقمة تيكاد 9 هو دليل على إفلاس الأطروحة الإنفصالية دوليا خاصة بعد توالي الإنتصارات الميدانية التي تحققها الديبلوماسية المغربية ، حيث أن الإعترافات المؤيدة للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية من طرف مختلف الدول المؤثرة في القرار السياسي الدولي و القاري أفقدت النظام الجزائري توازنه السياسي بشكل إضطره إلى إرتكاب حماقات ديبلوماسية بمنطق إنفعالي إنحدر إلى تزوير الحقائق بحثا عن أي حدث سياسي لتحويله إلى إنتصار ديبلوماسي في إطار دبلوماسية الصور التذكارية التي دأبت عليها قيادة البوليساريو، بتوجيه من الخارجية الجزائرية، لصنع انتصارات وهمية في محاولات فاشلة لحجب الحقيقة التي تؤكد الانتصارات الميدانية والسياسية والدبلوماسية التي يحققها المغرب في ملف وحدته الترابية ، لأن هكذا تصرف صبياني من طرف دولة عضو في الأمم المتحدة و عضو في الإتحاد الإفريقي ( الجزائر ) بمؤسسات دستورية تقوم بمهام إدارة الشؤون الخارجية للدولة تحت مسمى وزارة الشؤون الخارجية يجعلنا نطرح تساؤلات حقيقية حول الوضع النفسي و الفكري و المستوى التحليلي لصانع القرار الديبلوماسي الجزائري حيث أن لجوءه إلى هكذا تصرفات طفولية غارقة في التنميط يؤكد على شيئ واحد و هو الهزيمة القاسية التي تتعرض لها السياسات الجزائرية في محيطها الإقليمي و القاري و الدولي من طرف العقول و الأدمغة في الديبلوماسية المغربية و باقي المصالح الخارجية الملتزمين بالرؤية الملكية المستنيرة في الشأن الديبلوماسي المرتكزة على قيم الوضوح و الشفافية و المسؤولية و الإحترام التام لسيادة و إستقلال كل الدول الصديقة و الشقيقة .
فالحادث المؤسف الذي عرفه الاجتماع الوزاري التحضيري لمؤتمر طوكيو الدولي التاسع للتنمية الإفريقي (TICAD9) بسعي النظام الجزائري إلى تزييف الوقائع و إختلاق الأراجيف و دبج الأكاذيب يظل هو المسار الوحيد و الممكن المطروح أمام الديبلوماسية الجزائرية للتغطية على النجاحات الكبرى التي يحققها المغرب في هذا النزاع المفتعل عن طريق إقحام مرتزق ينتمي لميليشيا إرهابية تهدد الأمن العالمي في إجتماع له من الأهمية بمكان في مجال التنمية الشاملة للشعوب الإفريقية ؛ المنتظر من الجزائر كباقي الدول الإفريقية الإنخراط الجدي و المسؤول في الجهود العالمية لتنمية القارة الإفريقية بخلق جسور التعاون و التكامل مع القوى العالمية الكبرى عن طريق الإلتزام الكلي بأهداف ندوة طوكيو الدولية حول التنمية في إفريقيا (تيكاد) كمنتدى دولي يجمع بين اليابان و البلدان الأفريقية وشركاء التنمية لمناقشة ودعم تنمية إفريقيا، منتدى تم إطلاقه سنة 1993 بمبادرة من حكومة اليابان كقمة دولية على مستوى رفيع يركز على التنمية في إفريقيا، الجميع كان ينتظر من الجزائر رؤية سياسية و إقتصادية واضحة للتنمية في القارة الإفريقية و كيفية دعم جهود اليابان لتحقيقها من خلال سياسات قارية جزائرية تتوائم و أهداف منتدى ” تيكاد ” و تترجم وعي صانع القرار السياسي الجزائري بالتحديات التي تواجه شعوبها ، لكن الجزائر فضلت البقاء وفية لسياساتها البومدينية التوسعية و طموحاتها المجنونة بالهيمنة الإقليمية و القارية ،في الوقت الذي كانت الدول الإفريقية و اليابان تقدم تصوراتها لمستقبل القارة في هذا الإجتماع رفيع المستوى كان النظام الجزائري يحاول أن يقحم ” الإرهاب” في شخص ممثل ميليشيا إرهابية إنفصالية و التي تمثل أحد أهم أعطاب القارة الإفريقية و أبرز أسباب تخلفها في ذات الإجتماع رغم إجماع الدول الإفريقية في أكثر من مناسبة على إستبعاد الدول الغير ممثلة في الأمم المتحدة عن الإجتماعات الإفريقية المتعددة الأطراف ، حيث أن اليابان جسدت هذا الموقف بعدم توجيه دعوة إلى ممثلي الميليشيا الإنفصالية رغم الضغوط الجزائرية و يؤكد على رغبة اليابان في الإبتعاد ما أمكن عن التماس الديبلوماسي مع مصالح المغرب و تغليب منطق العقل و التدبير العقلاني للعلاقات الثنائية و عدم السقوط في فخ الموقف الجزائري الذي يقف ضد طموح شعوب الإفريقية في بناء اتحاد إفريقي كفضاء قاري يحقق السلام و الأمن و الوحدة و التنمية و الإزدهار للشعوب الإفريقية بشراكة مع القوى الإقتصادية الكبرى في العالم كاليابان .