الجزء الثالث
بقلم: خالد عبداللطيف
غفر الله لمن قضى نحبه في رمضان،هذا ماكانت تردده عمتي على مسامعنا،في رمضان تغلق ابواب جهنم ،وتسلسل الشياطين،هذا ماكان يقوله أبي ،وحول رمضان تنسج الحكايات،وتتوالى القصص المثيرة في حملة هوجاء منقطعة النظير،بالنهار للصوت يعلو على نهيق حمار أمي هنية بائعة الماء،اما الصوت الجهوري الملفت للنظر، فكان صوت عيشة المتعدد النبرات بسبب انقطاع الرزق في هذا الشهر الفضيل..
وأمام الفراغ القاتل الذي يلف يومياتها تشرع في سي الصغار والكبار لاعنة أهل بودراع من عهد آدم الى اليوم،ولاتتوقف عند هذا الحد بل تتقدم بشكاية ضد الجميع حسب مزاجها،وانها ستذهب للقليمية من أجل الانصاف ..ولكن ما كان يهمنا نحن الصغار هو محاولة الاحتماء قرب دار الضو في انتظار وقت الظهيرة كي نتوجه الى العين من أجل جلب الماء او البحث عن برودة تحت اشجار الكالبتوس…
تتوالى اللحظات مثقلة ببرامج غير متوقعة او خطط مدروسة سلفا،فقد نؤجل الذهاب للنهر ،ونشرع في لعب الورق،او الضاما،حيث نرسم رقعتها من مربع اسمنتي مختاره من مساحة صغيرة بدار الضو،نتبادل الادوار في اللعب،وفي كل يوم نتعلم تقنية ما،وكلما اشتد حر الهاجرة،نعرج على السقاية المحاذية لدار الضو،نغطس رؤوسنا الصغيرة تحت الصنبور،حتى اذا لم يڜف الماء غليلنا،انغمسنا بملابسنا تحت الحنفية الباردة،ونظل هكذا طيلة النهار نعاود عملية تبليل ملابسنا،ولانفارق السقاية الا بعد اذان المغرب.
هي مرحلة من عمر وماض مضى، وعلى ايقاع الزواكة التي كانت تعلن موعد الافطار ،ومن شدة انبهارنا لم نكن نعرف من اي مكان يصدر صوت الزواكة،كانت أشبه بمدفع الافطار في مدن اخرى…وكان رمضان يحمل لنا بداخله مفاجآت مختلفة،واحداث مميزة وملتبسة في نفس الوقت…واول هذه المفاجات هو صوت فتيات الحي الذي يبدو حزينا وكئيبا،وصوت الزهرة ومولودة وحفيظة يقطع نياط القلوب،اختلفت عقيرتهن الى شكل تقليد الماثم والمناحات،لم نعد نسمع في هذا اليوم لازمة”إينا زنيقة ساكنة عتيقة…
نموت انا ما يموت حبيبي” ولما حاولنا نحن الصغار فهم هذا التغير في الايقاع وتراتبة الفرح والحب،سمعنا من الكبار انها ذكرى 10رمضان وفاة المغفور له الملك محمد الخامس،تعالت اصوات الفتيات والنساء وحتى العجائز مرددات”اليوم عشرا في رمضان مات ملك البلدان”لقد كانت هذه العبارة تبعث بداخلنا احاسيس مختلفة،ولكنها بلاشك غرست في صدورنا البضة وقلوبنا الهشة إحساسا بيتم وطني ،فكيف يموت الملك،كنا لاتصدق ان الملك محمد الخامس قد مات…
بعض شباب الحي الذين فتحوا اعينهم على النضال والوطنية قالوا عنه انه ظهر في القمر،وبلاشك سيعود،وانه ذهب لملاقاة ربه كما فعل موسى وحتما سيعود.
اما الذين تكلموا بمثل هذا الكلام،وادلوا بدلوهم في قضايا أكبر ،انبعثت من شفاههم وانوفهم رائحة الكيف والتبغ الرخيص…قال لي صديقي عبدالجليل..فعلتها العشبة الخضراء،وللتملص من هذه الاجواء قلت له”هي نذهب بمسجد الحي لكي نصلي صلاة التراويح…هناك بدات حكاية اخرى،فقد اضحكنا محمود وهو يدس يده في شكارة جارنا المرتاحي،حاولنا كتم ضحكاتنا لكننا لم نستطع التحكم فيها ،وانفجرنا في ضحك هستيري،لكننا فوجئنا بوجه يشبه وجه ملك الموت يصرخ في وجوهنا”ياالله خرجوا منهنا الشياطين…الله يلعن …كان مستعدا لفعل أي شيء من أجل إخراجنا،وحين سالنا عنه بعض المصلين قالوا لنا إنه سليمان…وحين حاولنا العوة للمسجد،اقتربنا منه لعله يسمح لنا بالعودة للصلاة ومسامحتنا،وقبل أن نشرع في الكلام ونعتذر عن سلوك لم يصدر منا،صرخ مرة اخرى في وجوهنا”غبرو منهنا…السلام على سليمان..
ماذنبنا إذا كانت يد محمود تمتد لشكارة المرتاحي؟وماذنبنا ان يكون سليمان الباطش البطاش هو مقدم المسجد والقيم عليه…
موت السلطان محمد الخامس..وحكايات صاحبنا الكذاب عن خروجه من زقاق ببني ملال ليفاجا بالبحر يداهمه،وأمه التي أراد أن يتزوجها وزير فرضت الزواج به…وماذنبنا إذا لم تجد عائشة عملا في رمضان،لان مهنتها تتوقف كما يتوقف السكارى عن شرب الخمر في شعبان ورمضان…
في رمضان خصوصا يوم الجمعة،كانت تنظم رحبة لبيع اعواد الكروش قرب منزل أيت لكريفي بحي حجرة،فكان الناس يقبلون على هذه البضاعة ،ويفرح أي كان بحيازته اسلاك ديال لعاود،يخصص لاعداد طاجين فوقه…حيث ينضج اللحم على نار لينة…
يتبع….