بقلم/ د.عبد الرحيم بوعيدة
حين يُسافر الإنسان يرى وطنه بعين أخرى مُجردة، يحمله معه في قلبه وفي القلب الذي يحمل الوطن نفسه غصة وكثير من الحُزن..
جربت الغربة للدراسة وكانت الغربة اضطرارية، والآن أصبحنا نعيش غربة سياحية هي أيضاً للأسف اضطرارية، ليس لأن الوطن ضاق بنا ولكن لأن الغلاء فرض علينا أن نرحل إلى جُزر كانت بالأمس صحراء قاحلة..
هي اليوم جنة فوق الأرض تُوفر لزوارها كل شيء، هنا فقط تبدأ في المقارنة التي تنغص عليك جمال العطلة..
هنا يبدأ السؤال المُحير ما الذي نحتاجه لنكون مثل هؤلاء؟؟
يبدو الجواب سهلاً لكنه مُحير في الآن ذاته يدفعك إلى الجنون إذا كنت تملك جزءا من وعي يمنعك من الاستكانة أو ترديد اللازمة التي نتقنها جميعا كمغاربة “وأنا مالي”..
المغرب بلد جميل ومضياف، ليس هذا شعار المكتب الوطني للسياحة وليس ملصق إشهاري، لكنها الحقيقة التي نُدركها جميعاً.
للأسف لم نرأف بوطننا ولم نعد نقدره، نهبناه بكل مانملك من قوة!! سلبناه صناديقه وتسابقنا ليس في الاشتغال من أجله بل من أجل رصيد يكبر وسيارات تزداد وأراضي تتوسع..
ليس الفساد قدراً مُنزلاً من السماء، نحن من يختاره! يسعى إليه، وحين نتوغل فيه نَتهمُ الجميع بالفساد، الحُكومة والدولة والمَخْزَنْ..
لي تجربة بسيطة يعرفها الجميع، لكن الذي لم أصرح به أني حين أخترت أن أظل نظيف الذمة لم يجبرني أحد على النهب أو السرقة، بالعكس هناك من نصحني بأن أظل نظيفاً وفق اختياراتي، هم رجال من الدولة نفسها وهم أحياء الآن في مراكز مهمة، ومن نصحني بأن “أتوسخ” بلغة دارجة للأسف هم جزء من نخبة سياسية في مواقع مهمة..
لا أدافع هنا عن أحد لكن وأنا اقارن من هذه الجزيرة الصغيرة التي لاتبعد عن جنوبنا سوى بِضع دقائق، أحاول أن أبحث عن مُتنفس يجعلني أفهم لماذا نحن هكذا!!
لا يوجد في هذه الجزيرة شيء مُميز ليس في وطني، نفس المناخ والطبيعة والبحر والشمس، لكن نختلف في النظرة الى الوطن..
فينا من يراه مجرد صالة “ترانزيت”، وفينا من يراه بقرة يحلب مِنها كل يوم، وقِلة هي من تراه أنه هو الحياة..
لا نحمل جنسية ولا نبحثُ عن وطن بديل، نحن نحب وطننا المغرب بكل مافيه ويحز في أنفسنا أن نرى كل هذا العبث..
أرقام في البطالة، تفاقم في الغلاء، مراتب متدنية في التعليم، وحكومة ضعيفة، وبرلمان تحول لغرفة تسجيل..
لا نُبالغ، ولكن حين تُقارن وتجد أن السِر يكمن في كلمة واحدة لنتقدم مثل هؤلاء، يجب أن نحب هذا الوطن بصدق، ومن يحب وطنه لايسرقه ولايتاجر به ولا يراه بقرةً بل أسداً بين الأوطان..
في هذه الجزيرة مغاربة من كل الأجناس، هنا تسمع الحسانية والريفية والامازيغية، كلهم جاءو عبر قوارب الموت ونحن من أرسلناهم كنخب سياسية، لأننا لانفكر إلا في السيارة والفيلا ورصيد في البنك، ومع أننا من صنع هجرتهم إلا أنهم يُحبون وطنهم أكثر حتى منا نحن الذين ننهبه جهاراً نهاراً..
ختاماً، في المغرب كل المقومات الجميلة من مَلكية شرعية نجتمع حولها، لطبيعة خلابة وموارد بشرية، ينقصنا فقط أن نحب هذا الوطن وحين نسافر مرة أخرى يكون السفر اختياراً وليس اجبارياً بفعل غلاء عالجته حُكومتنا الموقرة بتصريح للسيد الرئيس إنه “قانون السوق”..
“وتْحَبْ تَفْهَمْ دُوخْ” كما يقول الإخوة في تونس.. طبعاً هو سُوقكم..