بقلم/ بديعة الراضي
أهلا يا تبون، يبدو أنك امتطيت جوادك وبدأت تعتقد أنك فارس مغوار في البلد الجار، الذي بقدر ما يحاول فيه الكابرانات ترسيخ الحقد الكبير على المغرب، في ممرات فوقية تحرسها المخابرات الجزائرية والموظفون في إداراتها من البزناسة والسّماسرة في مختلف دول العالم بناء على ما أتاحه العالم الرقمي من التسويق والمتاجرة بالقضايا والقيم والأخلاق والعدالة والكرامة وكل الشعارات التي آمنا بالترافع عنها لتحقيقها من منطلق إنساني داخل الحدود وخارجها، بقدر ما ظل المغرب شامخا وقائدا رياديا في المنطقة، تتوالى انتصاراته إقليميا وجهويا وعالميا. وهو المغرب الذي يسير بخطى راسخة نحو المستقبل بفكر وسياسة إستراتيجية تنخرط فيها كافة المؤسّسات التي عمل المغرب على تأسيسها بالقوانين والمساطر والثقافة التي تعي جيدا الدور الذي تقوم به كل مؤسسة على حدة في عمل منظم ليس وليد اليوم بل هو وليد تاريخ عريق للدولة المغربية، تاريخ ملوكها وسلاطينها، وتاريخ نخبها الوطنية والديمقراطية، التي قامت بأدوارها الطلائعية في البناء الصلب لمغرب التعدد الفكري والثقافي والسياسي ومغرب الوحدة حول القضايا المشتركة المتعلقة بالملكية والدين والتراب.
أذكرك يا تبون وأنت تقوم بحملتك الانتخابية، التي لا دخل لي شخصيا في توجيه ناخبيها بالتصويت معك أو ضدك، لأننا شعب تربّى على احترام قرارات الشّعوب وقناعاتها، لكن التذكير مصحوب بالمفاجأة أن ما رددته أعلاه كان على لسان الصديق عبد العزيز بلخادم، الذي انفجر ذات ليلة في وجه الكابرانات في ما يخص الاستمرار في إغلاق الحدود بين بلدين لهما مصير مشترك جغرافيا على الأقل، في كل ما يتعلق بإكراهات الجغرافيا والحدود في تحديد مستقبل الشعوب. بل ترافع بلخادم تلك الليلة التي حكي لي مرارتها لينبّه الكابرانات إلى أن ما يقوم به النظام الجزائري هو رد فعل سلبي نتجت عنه محاصرة الجزائر نفسها ومحاصرة تونس وليبيا وكافة الخطوط المغاربية من الرباط إلى القاهرة.
كان الرجل يحكي وعيناه جاحظتان. لم يترك لي الوقت كي أخاطبه في موضوع اللقاء المتعلق بملتقى الأحزاب المغاربية التي كنت أشغل فيها منصب نائبته باسم المغرب إلى جانب محمد الخصاصي رحمه الله بتصويت من أحزابنا المغربية وذلك بمقر حزب التجمع الوطني للأحرار،، وهو الانتخاب الذي حضره أمناء وأعضاء مكاتب سياسية للأحزاب الممثلة في البرلمان.
قلت لبلخادم وأنا أحاول أن أعرف مجريات الأمور في بلد تحكمت فيه عصابة الكابرانات، هل هناك أزمة داخلية في الجزائر الشقيقة؟ أجاب الرجل، بمرارة، بأن الأمر يتعلق بمحاصرة كل من يريد حلا بين الرباط والجزائر في دوائر النظام السياسية والمدنية من قبَل الجنرالات المستفيدين من الوضع…
ووقف الرجل عند هذا الحد، محاولا تحويل النقاش نحو ضرورة تعزيز الاشتراكية ودعم القوى الوطنية في المنطقة لسد الباب أمام من سمّاهم حرّاس استمرار الأزمة.
وقد حاولت بدوري أن أتجاهل أزمة الرجل وتياره مع بلده. كما احترمت يومئذ أفكار الرجل رغم أني غير متفقة على الكثير من التفاصيل حول ما أورد من تفسيرات حول تدخّل الأخ محمد اليازغي في لقاء طنجة المغاربي.
فضّلت أن أدفع النقاش نحو ضرورة تسليم مقعد رئاسة الملتقى المغاربي للأحزاب السياسية الممثلة داخل البرلمان للمغرب، كما قرر ذلك اجتماع تونس.
اخترت أن أحول النقاش لأن المقام لا يتسع لتصحيح التفسيرات التي جاءت على لسان رجل خبير بدهاليز النظام الجزائري وبأمراضه، التي يبدو أن العقلية السائدة لا تقبل التفكير في مألات المنطقة على إثر التحولات التي يبدو فيها الانغلاق على الذات هو فعل لتقزيم الذات نفسها، وأن التفكير الإستراتيجي المنفتح والمواجه لكافة التحدّيات بمفهوم العمل على إشكالية الحدود هو الأفق الذي ينبغي أن نذهب إليه جميعنا بمبدأ احترام الحدود الوطنية والدفاع عن الحدود الإقليمية والانخراط في سؤال العدالة المجالية الدولية والترافع حول التكافؤيات.
لقد قال بلخادم وهو يُحمّلني رسالة اعتبرت يومئذ أنه ليس من شأني تبليغها إن قادم الأيام سيكون معقدا في العلاقات المغربية الجزائرية، وإن أساليب الكبرانات تُجاه المغرب ستكون رديئة ومضحكة في أحيان كثيرة.
كان الرجل قلقا جدا على بلده، بطبيعة الحال، واعتبر التيار المعتدل كما سماه تيارا ذاهبا إلى الزوال لأنه تيار سيغتال على يد من سيقبلون على حرق الأخضر واليابس في العلاقات مع المغرب.
لم يكن الزمن يومئذ يتسع لمزيد من اعترافات الرجل، الذي بدا أنه كان يُحمّلني رسالتها، لأن الطائرة التي ستتوجه إلى المغرب تلزمني بالذهاب فورا إلى مطار هواري بومدين في العاصمة الجزائر. وجدت يومئذ الوفد المغربي يتساءل عن اختفائي، لكني لزمت الصمت لأني اعتبرت رسالة بلخادم رسالة استخباراتية ملغومة، ففضلّت أن أحتفظ بها، مراقبة أفق العلاقات، التي أبدت لي الأيام أن كابرانات الجزائر تمكّنوا من تفاصيل النظام الجزائري كي يحولوه إلى غرفة للإساءة إلى المغرب بعدما اغتالوا، معنويا وماديا، كل القيادات المعتدلة.
وها أنت اليوم يا تبون تنفذ الأوامر. لكني أريد أن أنبّهك إلى نقطة أساسية، تلك التي جعلتك أضحوكة للجزائريين أنفسهم، لكونك لا تملك طريقة تصريف الأوامر ، فأصبحت مثل الطفل الذي لقنه أبوه جملا محددة لتكرارها ضد خصم الأب.
لقد فقدت يا تبون كل اللياقة التي من المُفترَض دبلوماسيا أن تكون بين الرؤساء والملوك، ووضعت نفسك كمرشّح لجماعة ترابية في منطقة سكيكيدة، والحال أنك مرشح لرئاسة بلد جار نكنّ له كل التقدير والإحترام ونعتز بنخبه الفكرية والثقافية وتربطنا به علاقات تاريخية لا يمكن لكابرانات الجزائر السطو على حقيقتها، وذلك هو الجبل الذي سيفجر في وجوه تيار الشرّ.