لماذا نحن هنا
من أولى دلائل الإستيقاظ الفكري وبداية الوعي ؛أن يسأل الإنسان نفسه عن ماهية وجوده وكينونته في الكون. فيبدأ رحلة البحث عن الحقيقة التي تضفي لوجوده معنى وقيمة .
كثيرون هم أولئك الذين يعيشون بيننا في غفلة ..حيث يقضي المرء طوال حياته في العمل والأكل والشرب والتكاثر .ويمضي كانه لم يكن قد مر من هنا. ويرجع ذلك لعدة أسباب منها:.
-قلة الوعي والإدراك في مسألة ماهية الوجود الإنساني على الأرض .[الجهل]
-الماتريكس والأنظمة التي تسعى للسطو على البشر وتعميم التبعية والجهل لأقصى حد ممكن لكونها تستفيد من الأمر.
-ربط الإنسان في المجتمعات العربية وجوده في الأرض بالعبادة فقط ؛تبعا لفهمه الخاطىء لقوله عز وجل “وما خلقنا الجن والإنس إلا ليعبدون” . وعليه في المجتمعات النامية يتم ربط العبادة بالشعائر الدينية فقط لاغير . وهذا مفهوم خاطىء ومقزم لقوة الإنسان وطاقته وإدراكة.
حينما أتحدث عن ماهية الوجود الإنساني في الكون .فأنا أتحدث هنا عن أمرين مهمين:
–الرسالة : وهي الدور أو المهمة التي سيقوم بها الإنسان طوال مسار حياته . وهو أمر موجود منذ الأزلية ليس بحديث الإختراع .إذ نجد جل العظماء وسادتنا الأنبياء والرسل بعثوا من أجل مهمة معينة ومحددة .
اذ يقول الله عز وجل مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك”. سورة المائدة . موضحا في ذلك مهمة الرسول التي كلف بها في الأرض وهي تبليغ كلام الله عز وجل.. ويقول الله تعالى في سورة فاطر “إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونديرا.” صدق الله العظيم.
وعليه فلكل واحد منا رسالته في الكون ملزم هو بمعرفتها والبحث عنها والإشتغال عليها. وقد ترتبط بالأسرة أو المنظمة أو العمل أو العلاقات أو الصحة او المساعدة وأعمال الخير ..الخ فقد تكون رسالة إمرأة تشتغل بالبيت أن تسعد زوجها ؛وتربي لنا جيل سلوكياته وتصرفاته كلها تجسيدا للآيات القرآنية. وما وجدت رسالة في الكون أقوى من هذه.
ماذا يحدث في حالة جهل الإنسان لرسالته في الكون؟
الشخص الذي لا رسالة له؛يعيش في التوهان وتنعدم لديه القيم .وغالبا يعيش منتقلا بين رسائل الأخرين وتابعا إليهم .وينتهي وجوده دون أن يترك أي أثر يذكر به. أعطيك هنا مثال لطبيب رسالته مساعدة الفقراء على تطوير صحتهم ؛ يشتغل طوال حياته في خدمة الفقراء ومساعدتهم في الجانب الصحي .وإن رحل يوما ستظل أعماله خالدة.
العكس صحيح بالنسبة لطبيب لا يملك رسالة ولا دور مهمته الإشتغال من أجل المال [وما أكثرهم اليوم] . لا يستحضر أي مبدأ في عمله .إن رحل تنتهي قصته وينسى.
قد يسألني أحد كيف أعرف إذا رسالتي في الكون؟! وهذا السؤال أسمعه كثيرا في الدورات من قبل المستفيدين من الدورة.
يتم معرفة وإكتشاف الرسالة لدى كل شخص من خلال ما يحب القيام به ويرتاح في تقديمه . فيجعله رسالة له . أعطيك مثال لشركة ” ابل “قديما كانت رسالتها “جعل الأنترنت داخل كل بيت ” . فأبدلت جهدها في هذا الصدد.
في إحدى دوراتي لموضوع الرسالة قال لي أحد الأطر “منذ سنوات أشتغل على رسالة إطعام الأفارقة المهاجرين بالمغرب ومساعدتهم في توفير الأكل . فكان كلما أقام وليمة أو أقامها أحد معارفه أول من يطعمهم هم الأفارقة المهاجرين .
ويقول، “أصعد للجبل غابة غورو بالناظور حتى في جوف الليل لتوصيل الطعام .لكون هذه الرسالة أنمت رزقي وتوصلني لإستشعار لذة الوجود كلما قمت بذلك. .”
ما أريد توضيحه في هذا الصدد أنه ليس بالضرورة أن تتعلق رسالتك بعملك أو وظيفتك . قد تكون في حياتك الخاصة أيضا. المهم أن تدرك أن لك دور لابد أن تقوم به. وعليه إدراك المرء أن له دور ولكل شيء في الكون دور معين قد ينتهي أو يتجدد . يضفي الأمر شيء من المرونة في الحياة، حيث يدرك المرء أن فراق أحدهم أو غيابه ماهو إلا إنتهاء لرسالته.