منذ سنوات خلت، تسارع النقاش بين الجاريين الشقيقين، الشعب المغربي والشعب الجزائري حول الكثير من النقاط التي تجمع أو تفرق بينهما.
تحديد الهوية، الذي يطفو على السطح، مقصود ومدبر له، من طرف القادة الجزائريين، ونتائجه بدأت تظهر في صناعة عدو وهمي لإنهاء الناس عن واقع معاش.
وهنا تحضرني مقولة كارل شميت، “لكي تحقق الأمة وجودها بالذات، فإنه يتعين عليها أن تحدد عدوها، وهنا تمثل الدولة الشكل الأكثر اكتمالاً للسياسي، ذلك أنها الكيان الوحيد القادر على تحديد العدو العمومي للأمة وتسميته”.
الدليل واضح للعيان، فمع بداية الحراك في الجزائر ضد نظام العسكر، الذي خيم على البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا سنة 1962 وانقلاب بوخروبة على الحكومة المدنية، ثم تخوين النشطاء واتهامهم بتمويل خارجي، وبالتالي خلق عدو وإفشال الحراك وبسط السيطرة.
الدولة الجزائرية في صراعها الهوياتي، كانت مضطرة لخلق عدو لشعبها، وبما أن حقد النظام على المملكة ومشروعهم لتقسيمها، وخلق كيان وهمي في الجنوب لاستفزاز الجيران، كان واضحا أن يكون المغرب هو الفزاعة التي يخيف بها العسكر عامة الناس، واتهامهم للشعب المغربي بكل التهم.
المملكة لها تاريخ، ولم تكن مستعمرة أو أراضي فرنسية ولا عثمانية، لها هوية ولها ماضي عريق وتاريخ كبير لعشرات القرون، وليست وليدة القرن العشرين.
يتحفنا أمبرتو في حديثه عن مرض السياسيين والأنظمة الشمولية، ببحث بعنوان: “اختراع العدو”،
“إن وجود العدو مهم ليس لتحديد هويتنا فحسب، وإنما أيضاً ليوفر لنا عائقاً نقيس إزاءه قيمنا، ونثبت -أثناء محاولتنا تخطيه- قيمتنا”.
الخطة بدأت لدى العسكر بخلق مشاكل سياسية مفتعلة، قطع العلاقات، منع المجال الجوي على الطيران المغربي، منع الشركات الجزائرية من التعامل مع نظيرتها المغربية، استقبال مهين لكل الفرق المغربية والصحفيين أيضا.
تواصلت الخطة، بافتعال نقاشات فارغة تتعلق بالتراث والأكل واللباس وكل ما هو مغربي، فصار النقاش بين ما لنا وما لكم، وهو النقاش الذي ينسي الناس همومهم ومشاكلهم، إضافة إلى الحديث اليومي عن الرياضة المغربية واتهام المغرب بالكولسة ومحاولة التقليل من الإنجازات الجماعية او الفردية للفرق المغربية، وذكر المغرب بالسوء بمناسبة أو غير مناسبة وبشكل علني وعلى منابر إعلامية عمومية.
النقاش الذي أُريد له جر الطرفين لجدال فارغ تارة للدفاع وتارة للتبرير، والكل يعرف تاريخ البلدين جيدا، ومن صاحب الحق ومن يتعدى على أملاك الغير. هذه التقاشات الفارغة والمفتعلة، سمحت لهم بخلق عدو هو المغرب في محاولة بائسة من نظام العسكر لخلق نقاش هوياتي سيجعل الناس تدافع عن النظام بصفته حاميا لهذه الهوية المهددة من طرف العدو المصطنع.
للأسف يؤمن العسكر دوما بمقولة ميكيافيلي، كل الأساليب تؤدي إلى الأهداف..