لماذا نحن هنا (2)
تحدثنا في المقالة السابقة حول ضرورة وجود رسالة ومهمة في حياة الإنسان ؛ كونها الوقود الذي يدفعه للعطاء والإشتغال بحب.
أما ما سنتوقف عنده اليوم فهو الرؤيا أو الهدف. ويتعلق الأمر هنا بالنهاية والمحطة الأخيرة التي يدركها المرء في سعيه موضع الوصول. لا أقصد هنا النجاح أو الفلاح وإنما الشيء الذي أنت نجحت في اتمامه. وعليه أقول أن الرؤيا هي الشيء الذي تسعى لبلوغه ولو بعد حين أو أمد طويل .
أقربك من الأمر في هذه الأية الكريمة التي يقول فيها الله عز وجل “لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين محلقين رؤسكم ومقصرين..”صدق الله العظيم .وتفيد هذه الأية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق ورئ في منامه أثناء خروجهم إلى الحذيبية ؛أنهم سيعودون للمسجد الحرام ويدخلونه ذات يوم .وكانت تلك رؤيته وهدف سعى لتحقيقه فيسر له الله ذلك.
الرؤية هنا لها علاقة بالنية،حيث تنوي بلوغ شيء معين لا تدرك كيف تصله ولا تملك خطة لفعله .أما إن كنت تعلم كيف ومتى فأنا أعتبر ذلك الشيء ليس من الأهداف إنما من الروتين اليومي للحياة .في كتاب العادات السبع للنجاح للكاتب ستيفن ال كوفي تحدث في الجزء الأول لتحديد الأهداف على ضرورة وجود هدف كبير تبصره تستطيع ان تتخيله في دماغك بحيث بعتبر أن كل هذف بالمستقبل لا تستطيع تخيله في دماغك لن يتحقق لك. وهو نفس الطرح الموجود بالأية الكريمة التي يقول فيها الله عز وجل “فلتنظر نفس ماذا قدمت لغد” صدق الله العظيم. وعليه الشخص ملزم بأن يتخيل هدفه ويصوره في دماغه كي يتجسد له.
وتنقسم الرؤية إلى :
_أهداف صغيرة الأمد يمكن تحقيقها بعد ستة أشهر
_أهداف متوسطة الأمد من سنة إلى ثلاث سنوات
_أهداف كبرى وهي التي تتحقق من خمس سنوات إلى عشر سنوات.
_أهداف يومية اسميها الروتين اليومي تتحقق نهاية اليوم أو الأسبوع.
أما النية فهي مصاحبة لكل هدف كان صغيرا أو كبيرا .بحيث أعتبرها الطاقة التي نشحن بها كي ندرك جميع المدركات في الكون أفضل أن نتحدث عنها في مقال خاص بها.
سأعود للحديث عن أنواع الأهداف كي أشير إلى نقطة مهمة وهي أن الأهداف الصغيرة هي التي تصنع الأهداف الكبرى .ويمكن أن يكون هناك شخص لا يملك هدفا كبيرا هو فقط يشتغل على الأهداف الصغرى .فتجده يفتخر ويفرح بمحطاته الصغرى. لا تنبهر بذلك ولا تشعر باليأس لكونك لم تحقق هدفك بعد. فقد يكون هدفك ضخم ودو مردودية كبرى تحتاج إلى وقت وزمن كبير ليتحقق. والجميل في الأمل أن جميع الاهداف تتحقق صغيرة كانت أو كبيرة في وقتها المناسب؛ لقوله تعالى في محكم كتابه الحكيم ” إن للإنسان ما سعى وإن سعيه لسوف يرى ” صدق الله العظيم. فكل هدف تشتغل عليه وتسعى إليه ستدركه.
تريحني كثيرا مقولة لمولنا جلال الدين الرومي يقول فيها “همنا السعي لا الوصول “. إن لذة العيش وحلوة الحياة تكمن في رحلة السعي لتحقيق الرؤية .هذه الرحلة المليئة بالشغف والمغامرات والمفجآت هي التي يستمتع فيها الإنسان وكلما كانت الرحلة طويلة كبيرة كلما كانت شيقة وممتعة .حيث خلق الإنسان للسعي بإستمرار وبشكل متواصل .هناك من حقق أهداف كبرى إكتفى بها وعاد إلى منطقة الراحة والركود حيث ليست للحياة معنى ولا لذة. فالسعي يتجدد بتجديد النفس قد لن تحقق أهداف طوال فترة شبابك ؛لكن هذا لا يعني أن في منتصف عمرك لن تدركها إن إستمر السعي إليها.
وأخيرا أشير إلى أن كل شخص يتنفس في الكون لابد أن تكون له رؤيته الخاصة يشتغل عليها ويسعى إليها.وإلا سيدخل في مقولة مصطفى صادق الرفاعي رحمه الله “من لم يزد شيء على الأرض فهو زائد عليها”.