في ظل الوضع العربي والإسلامي المتردي، يُطرح سؤال أبدي حول جدوى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومصيرهما.
ذلك أنه عندما ينظر المرء إلى المنظمات الإقليمية في مختلف أنحاء العالم، يجدها ناشطة وفاعلة بطريقة أو بأخرى، باستثناء المنظمات العربية والإسلامية، علماً أن العديد من دول الجامعة العربية تكاد تكون في حالة انهيار أو شبه إفلاس.
وسط هذا الغليان تسربت النزعة الطائفية لتزيد الطين بلة، فيما جامعة الدول العربية لم تأخد علماً بعد، ولم تعبر عن قلقها على الأقل إزاء ما تقوم به إيران في المنطقة، فهي في حالة شرود، وفي وضع غريب وعجيب وشبه سوريالي، إذ لم يسبق لها منذ تأسيسها عام 1945 أن عاشت أجواء الفتن والتفتت التي تنخر الدول العربية كما هي الحال الآن.
إنّ يد إيران أصبحت موجودة في كل مكان، من خلال وكلاء كلفوا تدبير السياسية الإيرانية في دول عربية عدة، وأصبحت إيران بالتالي وكأنها عضو في جامعة الدول العربية، رغم أنف الجميع، من خلال هؤلاء الوكلاء الذين يعرفهم القاصي والداني.
الآن، هناك صمت رهيب يميز هذه الجامعة، فهي لا تقدم ولا تؤخر، لتبقى الحقيقة المرة هي أن فاقد الشيء لا يعطيه.
وبما أن جامعة الدول العربية غير ناجحة سياسياً، وتكاد تكون في حالة موت سريري، فمن الأفضل لها في هذه الحالة أن تبتعد عن السياسة وتركز على برنامج للتنمية العربية يُعنى بمحو الأمية ومحاربة العزلة وإنجاز السكن اللائق وتحقيق الحماية الاجتماعية للمواطن العربي.
لقد بدأ الاتحاد الأوروبي مساره كمنظمة للتعاون الاقتصادي تحت اسم “السوق الأوروبية المشتركة”، واستمرت تلك المنظومة لأكثر من ثلاثة عقود حتى انتعش الناس اقتصادياً واجتماعياً، وبعدها جرى الانتقال إلى البناء المؤسسي للاتحاد الأوروبي.
كل شيء انطلق خطوة خطوة بتفكير هادئ، رزين، وعقلاني، قبل أن يستقر الرأي على إقامة عملة أوروبية موحدة (اليورو)، وإزالة التعرفة الجمركية بين الدول، وإنشاء جواز سفر أوروبي.
وخلافاً لما سارت عليه الولايات المتحدة، احتفظت كل دولة أوروبية بوجودها السيادي. ورغم أنه جرى خلق منصب الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فإن مواقفه ظلت غير ملزمة لأي من الدول، بحكم أن دول الاتحاد الأوروبي ليست لديها مواقف موحدة إزاء الكثير من القضايا الدولية، إذ ما زالت العلاقات الثنائية طاغية، وخير مثال على ذلك هو أن العلاقات الفرنسية – الأفريقية، على سبيل المثال لا الحصر، لا تخضع للتصور الأوروبي العام لتلك العلاقات. فهناك استقلالية القرار السيادي للدول، وأعلامها الخاصة ما زالت مرفرفة، وهذا لا يمنع وضع علم الاتحاد الأوروبي إلى جانبها.
يبقى الأهم في كل هذا أن الدول الأوروبية لها نظام سيادي واحد، لكنها تتماهى في ما بينها من خلال منظومة ديموقراطية ليبيرالية ترشدها، ذلك أن القواسم المشتركة للتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي تبدأ بطبيعة منظومة الحكم.
صحيح أن الاتحاد الأوروبي يضم أنظمة ملكية وأخرى جمهورية، لكن الجامع بينها هو انخراطها في المنظومة الديموقراطية.
ولئن دخلت إسبانيا والبرتغال في الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك لم يتسنّ لهما إلا بعد سقوط نظامي الجنرال فرانسيسكو فرانكو (مدريد) عام 1975 ونظام الدكتاتور أنطونيو سالازار (لشبونة) عام 1974، وعودة الديموقراطية إلى هذين البلدين.
قد يمنّي المرء النّفس بأن يصبح العالم العربي مثل الاتحاد الأوروبي، لكن يجب أن نكون واقعيين، فالعالم العربي غير مهيأ قطعاً لذلك.
إن الاتحاد الأوروبي هو نتيجة لتراكمات تاريخية طويلة، بدأت بعصر النهضة واستمرت عبر الثورة الصناعية ودخول عالم البخار. هذه المراحل كانت محورية في تشكيل الهوية الأوروبية وتعزيز التعاون بين الدول الأوروبية.
المؤسف في العالم العربي هو أن كلمة “الثورة” ارتبطت بالانقلابات العسكرية وأبرزها انقلاب البكباشي جمال عبد الناصر في 23 تموز (يوليو) 1952 وتبعته انقلابات أخرى في ليبيا وسوريا والعراق، والقائمة تطول.
أما منظمة التعاون الإسلامي التي أنشئت عام 1969 بعد قيام إسرائيل بحرق المسجد الأقصى في القدس الشريف، فيبدو أنها أصيبت بالوهن منذ أن عمل أمينها العام الأسبق التركي أكمل الدين إحسان أوغلو (2004-2014) على الدفع بتغيير اسمها من “منظمة المؤتمر الإسلامي” إلى “منظمة التعاون الإسلامي”، وذلك في 28 حزيران (يونيو) 2011 إبان التئام الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة في العاصمة الكازاخستانية أستانا (نور سلطان حالياً).
كان الهدف من تغيير الاسم تعزيز دور المنظمة لتصبح أكثر تمثيلاً لروح التعاون بين الدول الإسلامية، وليس فقط كمؤتمر يجمعها، وجعل الاسم الجديد يعكس التزام الدول الأعضاء تعزيز التعاون في مختلف المجالات مثل الاقتصاد، والثقافة، والعلوم، والسياسة، إلى جانب تأكيد وحدة الدول الإسلامية وتضامنها لمواجهة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي. لكن ظل كل ذلك جعجعة بلا طحين، من دون أن ننسى أن تركيا، العضو في منظمة التعاون الإسلامي التي تزعمت هذا التحول والتغيير، ليست دولة إسلامية، بل دولة علمانية.
فأين هي منظمة التعاون الإسلامي مثلاً من كل ما يحدث في العالم الإسلامي، من اضطهاد للمسلمين في بورما والهند والصين؟
لكن وسط كل هذه العتمة ثمة كوة ضوء تخلق الأمل، فمن بين الأشياء القليلة الناشطة ضمن منظمة التعاون الإسلامي، هناك وكالة “بيت مال القدس الشريف” المنبثقة من لجنة القدس (1998)، التي تتميز بدورها الإنساني، وتعمل على تمويل المشاريع الاجتماعية والتعليمية والصحية لدعم صمود السكان المقدسيين والحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للمدينة، بعيداً عن الشروط السياسية أو الاعتبارات الأخرى، وذلك تحت إشراف مباشر لملك المغرب محمد السادس.
إن جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لا يمكن أن تقوم لهما قائمة إلا في اليوم الذي يصبحان فيه قادرتين على التخلص من اختلالاتهما، ومواجهة القضايا التي يعانيها العالمان العربي والإسلامي بنظرة تتجاوز الاكتفاء بإصدار البيانات والتصريحات والتنديد والتعبير عن القلق، فكل ذلك ليس سوى ضرب من العنتريات الرديفة للغة الخشب .
المصدر: النهار العربي