“مذكرات مراقب تربوي” ألوان من المعاناة في حقل مزروع بالألغام
تقديم: مبارك السعداني
1- بين يدي الكتاب
صدر مؤخرا كتاب ” مذكرات مراقب تربوي” لصاحبه الأستاذ المصطفى السهلي أستاذ اللغة العربية وآدابها بالسلك الثانوي التأهيلي سابقا، المراقب التربوي للمادة نفسها والمحال على التقاعد حاليا. صدر الكتاب في طبعته الأولى عن مطبعة ووراقة بلال بفاس سنة 2022. والكتاب من القطع المتوسط طبعته أنيقة أشرف على تتبع علمياتها التقنية ولفنية فضاء فنون للإبداع. وناشر الكتاب هو الأستاذ أمجد مجدوب رشيد.
يتكون الكتاب من تصدير للدكتور محمد محمد المعلمي، وكلمة للمؤلف تليها موضوعات الكتاب وعددها أربعة عشر موضوعا متنوعا كلها مرتبطة بتجربة المؤلف أثناء أدائه لمهمة المراقبة التربوية وما صاحبها من تحديات وصعوبات ومواقف مختلفة. و قد تخللتها انطباعاته الشخصية عن الأمكنة والشخوص والظواهر التي عاشها في تجربته.
2- أهمية الكتاب:
وتكمن أهمية هذا الكتاب، حسب الدكتور محمد محمد المعلمي في العناصر التالية:
أولا ـ إن المذكرات تعكس ألوانا من المعاناة، والتحديات التي حاقت بالمراقب التربوي، وهو يزاول المهام الجسام، المنوطة به في حقل مزروع بالألغام.
ثانيا ـ إنها ناطقة بالعلل، والآلام، والاختلالات التي وهن جراءها الجسم التربوي ببلادنا وما زال على صعد شتى…
ثالثا ـ لم تغب عن عين كاتبها الإشادة والتنويه بالمرابطين في ثغور التربية والتعليم في مغربنا العميق الذين آمنوا أنهم خلقوا لأشرف رسالة في الوجود، فأدوها دون أن يريدوا من أحد جزاء ولا شكورا.
رابعا ـ وهي تنقل صورا حزينة من الواقع المرير أبى كاتبها، بحس تربوي مرهف وذوق فني راق، إلا أن يشيع فيها وهو في أصعب اللحظات وأدقها، روح المرح والدعابة والنكتة والتسلية.
خامسا ـ إن المذكرات بتنوع قضاياها وضعت الأصبع على مكامن الخلل التي تنخر نظامنا التعليمي، وشخصت علله، علَّ الضمائر تستيقظ لتعمل على تغييره وتطويره بأساليب ناجعة مستوعبة قيم التجديد.
3- موضوعات الكتاب:
كما سلفت الإشارة يتكون الكتاب من أربعة عشر موضوعا يمكن تجميع أهم قضاياها في ما يلي:
– رحلة المراقب التربوي إلى مقر المديرية الإقليمية للتعليم (طاطا) والمدن والبلدات والمؤسسات التعليمية لأداء مهامه التربوية والمشاق التي تجشمها والمخاطر التي أحدقت به والمواقف المختلفة التي عاشها أثناء إنجاز المهام المنوطة به… من نماذجها (لا بد من طاطا وإن طال السفر،)، ( وثمة مزيد إلى فم زكيك)
– مواقف تربوية عاشها المراقب التربوي مع الفاعلين التربويين من الطاقم التربوي (أساتذة) والطاقم التربوي الإداري (مدير، حارس عام…) ومصالح إدارية ( محلية ومركزية). وقد وضع الأصبع على بعض مكامن الخلل في المنظومة التعليمية والتربوية في البلاد. من نماذجها (من أرشيف بائع الفواكه الجافة)، ( في حضرة الدكتورة) ( موقف لا يروق)
– مواقف إنسانية عامة عاشها المراقب التربوي في طريقه إلى عمله أو أثناء عمله، تظهر فيها رهافة مشاعره وحسه الإنساني المفعم بالمحبة … وخير أنموذج صورة مأساوية قدمها في موضوع (ضحكة تذبل)
– نماذج تربوية ناجحة يحتذى بها كأنموذج ( في رحاب التعليم الأصيل)
– نظرة انتقادية تكشف بعض مواطن الخلل في المنظومة التربوية، كاستغلال النفوذ، والشطط في استغلال المنصب، وغياب الحكامة الجيدة. وقد عبر عن هذا الموقف الذي لا يهادن الفساد ولا يخشى في قول الحق لومة مسؤول في مواطن مختلفة من كتابه، وبالأخص في موضوع (الريع التربوي) …
– النقد الذاتي وتمثل بشكل جلي في الموضوع الأخير من الكتاب حيث شرح تجربته في المراقبة التربوية مفصلا فيها القول حول ما كان، وما يجب ألا يكون، وما يجب أن يكون، يقول عن هذا الموضوع الدكتور محمد محمد المعلمي في تصديره :
“ولقد كان ختم الكاتب مذكراته بحلقة “أخطاء ارتكبتها” التي استوت فيها قوة اللغة وصدق المشاعر، وإلقاؤها يوم تتويج مساره المهني، بمثابة رسالة لا عوج فيها ولا أمتا إلى كل من يهمه ـ حقا ـ أمر تعليمنا الذي لا نهوض لبلادنا بدون نهوضه على أسس متينة.”
4- وختاما:
هذا كتاب فريد في نوعه، جمع بين مزايا عدة مردها إلى تنوع مواهب مؤلفه المصطفى السهلي الأستاذ الناجح، الإطار التربوي الكفء، الكاتب المميز، القاص البارع، الشاعر المجيد، القارئ النهم، وأخيرا وليس آخرا الإنسان المشهود له بدماثة الخلق فهو جدي لبق متواضع وفكه في غير ابتذال… كل هذه المكونات والخصال سيجدها القارئ في تضاعيف هذا الكتاب. فهو كتاب يطغى عليه الطابع التربوي التعليمي لكن لا تغيب عنه لمسة الشاعر في انتقاء كلماته وجمله، وبراعة القاص في بناء سرده وإتقان وصفه وتشويق أحداثه. كل ذلك ورد في انسجام وتناغم بلغة جميلة، وأسلوب سلس رصين يمزج بين الجد في محله والفكاهة في مقامها، والاستشهاد بما يناسب المقام بآي من القرآن أو بيت من الشعر أو قول عالم… فمادته دسمة ليست علمية جافة ولا أدبية محض، فهي مزاج بينهما، وبذلك حقق النص البلاغة في شقيها بلاغة الإقناع وبلاغة الإمتاع.