حسن خيي يستنطق لوحات الفنان محمد مكوار
بكثير من الأمل والإصرار يلج الفنان مكوار تجربته التشكيلية الجديدة، بالاعتماد فقط على إمكانياته الذاتية ورؤيته الفنية الخاصة، بعيدا عن فوضى المرئي، وبعيدا عن المفاهيم الفنية المستغلقة التي أصبحت تؤطر الفن وتهدد مساره أحيانا.
الفنان مكوار مؤمن بالفن كرسالة إنسانية، ومولد للغبطة الجمالية كمشروع جدي لمعاجلة مسألة الهوية في الفن البصري، يترنح بين هاجس القلق والإحباط وبين الطمأنينة والسكون في صيرورة الحياة العصرية وهاجس الحلم البعدي القريب، في الفضاء المفتوح على مساحة اللوحة حين يكون فيها لمعان الضوء نورا يهتدى به.
ما يستعصى على الفهم هو إبراز وإظهار وإجلاء ما يختفي وما يتوارى في منتوج الفنان، فمكونات اللوحة التي تقوم على حركات الأجساد، وتوزيعها داخل الفضاء، فرادى أو مجتمعة أحيانا، في وضعيات مختلفة تحتدم فيها العلامات والرموز والأصباغ والآثار في بؤر هي طبقات تصويرية مستعملة بحسب وتائر ودرجات وإيقاعات تحكمها حضرة اليد وهي تشكل رقصا خاطفا، يسجل نمطا من الكتابة التعبيرية، المحكمة بلمسات الفرشاة السريعة والتلقائية، النابعة من نبض الذات وذلك عبر إيقاع يمارس لعبة الملء ويراعي قيمة الفراغ في آن واحد، وفق مسلكية تعبيرية رمزية تتسم بالتوزيع الفضائي المحكم، وبالاقتصاد البليغ على مستوى التلوين والتركيب إلى جانب تقنيات تشكيلية تتعلق بالإضمار والاختزال بالرغم من عفوية متعاكسة منخفضة تمنح اللون والمادة سطوتها الإنسانية واللاشكلية، يتخذ السكون معباره لتثبيت الوحدات التشخيصية، وإدماجها ضمن ما يشبه حكائية تصويرية تروم تخفيف حدة البعد التجريدي، استنادا إلى تبعية الخط الذي يتدخل بتحفظ موزون للإحاطة بأثر السيل وتحويله إلى شكل مقروء.
حروف كلمات ممزقة فملصقة، ضوء المادة ولونها حسب طبقات عجينية ملطخة تتجزأ وتتقاطع ويعاد تركيبها حسب متطلبات موضوع اللوحة إلى أن تصبح المحاور الحقيقي مع المتلقي بعدما كانت غائبة طيلة عهود مضت، إنه يجردها من مفهومها وينذرها للفراغ ولروعتها الجسمانية والحرف أحيانا يتحول إلى كلمة ذات بعد صوفي وأحيانا أخرى لا يبقى غير شبح الحرف، كما لاو أنه خط شخصي يأخذ شكله في مجهولية جسده وأحيانا يتحول الشبح ذاك بشكل راديكالي إلى انبساط التعاريف ليأخذ شكل رق يحاكي الكتابة ودعوى إلى انمحائها الأصلي.
يذكر ان المعرض الجديد للتشكيلي محمد مكوار يحتظنه رواق باب الكبير بقصبة الاوداية منذ العاشر من هذا الشهر ويستمر في استقبال عشاق هذا الفن وهذه التجربة إلى غاية 24 شتنبر الجاري.