كلنا نحبك يا وطن !
“الوطنية لا تعني أن تموت من أجل الوطن، بل أن تعيش فيه وتستمر في دفع الضرائب”
نحب الوطن؟ طبعًا نحب الوطن! كيف لا نحبه ونحن نُسحق كل يوم بين جدرانه؟ كيف لا نعشق هذا التراب ونحن نغرق كل يوم في الوعود الفارغة، نلهث وراء الفتات كما يلهث العطشان خلف السراب؟
نحب الوطن، بالطبع نحبّه! “فالوطن بالنسبة للفقراء هو الحضن الذي يجمعهم تحت خيمته المهترئة”، تلك الخيمة التي لا تقيهم بردًا ولا حرًّا.
هل تريدون أن نحب الوطن؟ بالطبع، كيف لا نحبّه ونحن نتعلق به كالمساكين الذين لا يملكون إلا سرابًا يُطاردونه؟!
نحب هذا الوطن، نحب زواياه المظلمة، و شوارعه المحفّرة، ونوافذه التي تُطل على لا شيء سوى الفراغ. نتعلق به لأننا لا نملك خيارًا آخر. وأحيانًا، نعشقه حتى الثمالة، وكأننا في حفلة جنونية لا نعرف متى ستنتهي ولا كيف ستنتهي. ربما لأننا فقدنا الإحساس بالواقع وسط هذا العته الذي لا بداية له و لا نهاية.
أما التحديات؟ آه، تلك التحديات التي تجعل الحياة هنا وكأنها مشهد طويل من فيلم رديء، فلا حبكة واضحة، ولا نهاية مرجوة. لكن انتظر، هناك دائمًا “أمل”. نعم، تلك الكلمة التي نتمتم بها كل يوم كأنها تعويذة سحرية نستخدمها للخروج من المستنقع. نرددها كما يردد الغريق اسمًا لا يعرفه على أمل أن يأتي الإنقاذ.
الأمل؟ بالطبع، هناك دائمًا ضوء في نهاية النفق. أو هكذا يقولون. لكن من قال إن النفق له نهاية أصلًا؟ ربما نحن عالقون فيه للأبد، ندور في حلقة مفرغة، ندور ولا نخرج. لكن لا بأس، فالأمل جميل. هذا ما يقال و الله اعلم، وهكذا نُقنع أنفسنا. فهل هذا صحيح؟
نزار قباني قال مرة: “ما زال في صحونكم بقيةٌ من العسل”. آه يا نزار، يبدو أنك لم تذق عسلنا المرّ، ذلك الذي يشبه الحنظل. نحن هنا لا نعرف طعم العسل إلا في الأحلام، وقد تختلط علينا الأحلام بالأوهام. ربما كنت تتحدث عن عالم آخر، وطن آخر، حيث الصحون مملوءة بالزبدة والعسل، وليس بما تبقى من الأوهام.
و ماذا عن الفقر؟ نعم، الفقر، ذلك هو الشبح الذي يرافقنا أينما ذهبنا. الفقر صديقنا الدائم، لا يغادرنا. لكن لا تقلق، الفقر ليس نهاية العالم، بل مجرد بداية لمغامرة رائعة! أنت تظن أن الفقر سيئ؟ لا، ربما هو مفتاح الثروة، أو هكذا يقولون.
الفقر ليس عدوًا، بل هو تحدٍّ لطيف نواجهه بابتسامة صفراء. تلك الابتسامة التي تعلمناها من القناعة، و من المقولة القديمة “ما باليد حيلة”. فنحن نتعلم أن نقبل ما لا نستطيع تغييره، ونتعلم كيف نحلم ونحن نعرف أن الحلم لن يتحقق. “فما كان بالأمس حلماً، يصبح اليوم حقيقة”، قالها جبران. نعم، جبران، ولكن حلمنا يتحول كل يوم إلى كابوس، وما يبدو اليوم مستحيلًا قد يبقى مستحيلًا غدًا، وبعد غدٍ، وربما إلى الأبد.
هل يمكن أن نتحدث عن الوطنية؟ طبعًا! الوطنية، ذلك الشعار الفضفاض الذي نلوّح به في وجه الفشل، نرفعه عالياً كما نرفع رؤوسنا الفارغة. الوطنية ليست مجرد شعارات؟ لا، بالطبع ليست كذلك. هي العمل الجاد والتفاني، أو هكذا يقال. لكن ما قيمة العمل إذا كان شخص واحد يجتهد وعشرة آخرون يغشون ويكذبون ويهدمون ما بُني؟
العمل هنا يعني أن تجري خلف الوهم، أن تحارب طواحين الهواء، أن تغني للوطن في الوقت الذي يغني فيه الوطن لأحلامك المتلاشية. أليس غاندي من قال: “الوطنية ليست في رفع الأعلام فقط”؟ صحيح، غاندي، ولكننا لا زلنا نرفع الأعلام ونترك كل شيء آخر يتهاوى.
لا تقلق، كل شيء بخير، ابتسم. الوطن يبتسم لك، لكنه يبتسم فقط في المطار، و على شاشات التلفزيون، وربما في الصور التذكارية التي نلتقطها ليوم آخر لا نعلم متى يأتي.