بقلم:عبدالله العبادي/
حين يسود مجتمع ما جدال عقيم وسجالات فارغة، فاعلم أنه على الطريق الخطأ ثقافيا وسياسيا، إعلم أن الإصلاح يجب أن يكون عميقا، وربما أعمق مما يعتقد، حين تترك القضايا الجوهرية جانبا، وننبش أمورا تافهة، لا تستحق كل هذا اللغو الفارغ، آنذاك يكون المجتمع بحاجة إلى وقفة مع الذات، مع الأولويات ومع ما يمكن فعله في ما تبقى من الزمن الضائع.
شغل الرأي العام نفسه كثيرا بمدرب المنتخب الوطني وبعض اللاعبين، هل عليه أن يرحل أم علينا الاستغناء عن اللاعبين. لا حرج أن نناقش أمورا كروية أو رياضية بصفة عامة، وأن نشجع منتخبنا الوطني. لكن العيب أن يطول هذا السجال أكثر مما يجب. في نفس الفترة الزمنية، مسلسل فتح الأندلس، أيضا كان له نصيب الأسد من السجالات المجتمعية الأخيرة، وصلت حتى البرلمان، بين مؤيد ومعارض للأحداث والشخصيات والأصل والنسب، صحيح من حقنا أن ننتقد ما يعرض على شاشاتنا، لكنه في نفس الوقت أخد حيزا من الوقت أكثر مما يجب.
مشروع فرصة الأخير، وطريقة تقديمه من طرف الوزيرة وبحضور ما يسمى المؤثرين، واستقبالهم أيضا من طرف وزير التربية الوطنية، أفاض الكثير من المداد، حول دورهم في المجتمع وما يمكن أن يقدموه للإصلاح التربوي والتعليمي في بلادنا، أو ما يمكن أن يحققوه تواصليا لبرنامج فرصة.
في حين ذهب البعض بمقارنتهم بالصحافيين، حين نتحدث عن التأثير في المجتمع، وهو الأمر البالغ الخطورة والخطأ، إذ لا مجال للمقارنة بين أصحاب مهنة الصحافة وبين مؤثرين سمح لهم الفيسبوك ويوتيوب بفرض وجودهم الافتراضي، من خلال ما يقدموه للزبناء، ووضع جيم ومشاركة الفيديو ليصلك كل جديد، كطريقة أخرى للاسترزاق، سواء اتفقنا عليها أو اختلفنا، فالأمر لا يهم بقدر ما هو مجحف في حق الإعلام والصحافة حين يتحدث بعض الصحافيون ويقارنون أنفسهم بهم.
صحيح أن ميدان الصحافة اليوم، يشهد العديد من التجاوزات، وأن وسائل التواصل الاجتماعي، سمحت للكثير بإبداء آرائهم حول العديد من القضايا المجتمعية والسياسية، لكن لا يعني هذا أنهم أصبحوا يزاولون مهنة المتاعب، كما أن بعض المواقع تتحمل مسؤولية أكثر، حين يتم توظيف أناس لا علاقة لهم بالكتابة ولا بالتكوين الصحافي، فقط يتوفرون على ميكروفون ويتجولون بالشوارع بصفتهم صحافيون.
من المسؤول عن ما وصل إليه التفكير في مجتمعنا؟ من يتحمل مسؤولية هذا الانحدار نحو الأسفل وبهذه الطريقة؟
أكيد ثمار نظامنا التعليمي، الذي لم يجد طريقه بعد، منذ قرابة 70 سنة أي بعد الاستقلال، عشرات المشاريع والبرامج الإصلاحية وعشرات الوزراء، لكن الحال بقى على ما هو عليه وربما نحو الأسوأ.
آخر الأخبار تشير إلى أن 330 ألف طفل يغادرون سنويا المدرسة لأسباب متعددة، وبزيادة 30 ألف تلميذ مقارنة مع السنة الفارطة، وهو رقم مخيف فعلا، في مجتمع يطمح أن ينشر الوعي والثقافة ويقضي على الأمية نهائيا، ويحارب الهدر المدرسي بكل أشكاله، ويشجع على متابعة الدراسة والمساعدة على ذلك، خصوصا في العالم القروي.
الخطير في الأمر أن لا أحد تحدث عن الموضوع، ولم تقم القيامة لهذا الإشكال العويص، ولا أحد يهتم بما يجري داخل الفضاءات الدراسية والحرم الجامعي، الكل منشغل بما يحدث في التيكتوك والزواج والطلاق والعلاقات بين المشاهير. صحيح التفاهة طغت بشكل غريب على كل الميادين وبشكل عنيف، لكن لا يجب الاستسلام لهذه الفوضى الخلاقة والعديمة الضمير والخالية من كل حس بناء وأخلاقي.
فهل هي هزيمة نفسية للمثقف العضوي والصحافي النزيه؟ أم أصبح الهروب أسلوب حياة للكثيرين حتى لا يخوضوا في نقاشات كهذه، أصبحت لا تؤتي أكلها، فتركوا الساحة لممتهني التفاهة والأساليب الاستهلاكية، حتى أصبحت هي المطلوبة اليوم، في مجتمع ضائع، في ظل تلاشي منظومة القيم التي يحرسها ويسهر عليها النظام التعليمي السوي.
لذا نحن بحاجة اليوم، إلى ثورية فكرية، ثقافية وإصلاحية تشعل العقل وتصحح العديد من المسارات الخاطئة وتعيد الكثير من المفاهيم إلى أصلها الصحيح، لعلنا نضع أرجلنا على الطريق الذي ينتح عنه مجتمع سوي وعادل، ونستطيع إنتاج جيل قادر على مجابهة الواقع وبناء الوطن.