الإحتراق النفسي (2)
إستعرضت في المقال السابق مجموعة من الدوافع التي تولد الإحتراق والشعور بالألم في الجسد المشاعري والنفسي للإنسان؛ وأضيف إلى أن من بين تلك الأسباب الأتي:
البيئة السامة أو المحيط الذي يتغذى على إستشعار الأخر بالنقص، وعدم الجدوى وكذا تأنيبه بشكل مستمر .
من الناس من يجعل من نفسه ملاكا مهمته تصحيح الأخطاء للأخرين وتقزيمهم وتأنيبهم . هذه البيئة مهما حاول المرء الخروج منها سالما نادرا ما ينجوا . حيث العيش بوسطها يجعلك تسلط الضوء على عيوبك وسلبياتك ونقاط ضعفك هذا الأمر هو المسبب لجلد الذات وإستشعار العار المرافق للألم.
العيش في قوقعة الماضي يجعل أحدهم يدور في حلقة مفرغة؛ يكرر نفس الأحداث بتفاصيلها وألمها وخزيها أيضا .الأمر الذي يمنع التغير والتطور. وهنا أشير إلى أن العيش بالماضي يحدث من خلال نقطتين مهمتان:
الأولى: إعادة إسترجاع ذاكرة الماضي يعيش الإنسان نوستالجيا في دماغه .يعيد نفس الافكار والأحداث في مخيلته و وحدته . وإعادة الصورة هو نفسه تجديد للشعور الأمر الذي يجعله يعيد نفس القصة ؛لأن الأصل مبني كله على الشعور والجسد المشاعري .
الثانية: إسترجاع الذاكرة بالذكر واللسان .هناك مثل إفريقي يقول التكرار أم المهارات. وأنا أقول التكرار هو البرمجة أي كل ما تكرره بلسانك يتبرمج عقلك عليه تلقائيا .ومن العقل تأتي الحركة والفعل. وكل هذه الأمور تولد الألم ومع توالي الزمن يشتد ليرتقي لمرتبة المرض النفسي.حيث تظهر الأمراض السوماتيكية أو الوجدانية.
العزلة وهنا لا أقصد عزلة العظماء والأقوياء وإنما عزلة الجاهل لنفسه تتولد عن الهروب من شيء . فتجد المعزول عن الناس والمجتمع شخص مريض أو مضطرب نفسانيا ؛هارب من شيء ما لا يقدر على مواجهته . وغالبا يكون إنتقادات المجتمع أو الهروب من المسؤولية الهروب من الفشل …وقائع مؤلمة يهرب عن مواجهتها فيظن أنه تخلص منها بالهروب لكن في الحقيقة هو يهرب بها في دواخله فتولد الالم والإحتراق .
لذلك العزلة.. أنصح بها بعد التنظيف والرغبة في التغير وتكون روحية أما إن كانت غير روحية فهي بوابة للإخترقات والجنون لاغير.
هناك حقيقة قاسية جدا وهي أن ملايين من المرضى القابعيين داخل المستشفيات الخاصة بالامراض العقلية والنفسية يعانون فقط من الألم النفسي في مرتحل متقدمة ولم يجدوا طريقة للتعبير عنه سوى التصرفات الغير العقلانية فحكموا عليهم بالجنون.
وعليه إن أشد ما يصاب به المرء هو الألم النفسي ولا يوجد علاج للتخلص منه سوى التنظيف وتصحيح العلاقة الروحية المتعلقة بالعقيدة . ومن فضل الله على عباده أن نجى المؤمنين الصالحين من الألم النفسي وأسلمهم منه . فالمؤمن يعيش بروح راضية مرضية أو مطمئنة وغيره يعاني الويلات من الألم النفسي وحرق الذات والتسليط على الأخرين . ومن كنموذج لهذا الألم أذكر الحقد والغل والحسد .والخوف والرهاب. أ