آخر ما كتبت..كم هي رائعة المرحلة الملكية!!
آخر ما كتبت نجاة الكص، المحامية والحقوقية الطيبة قبل وفاتها، رحمة الله عليها واجعل مثواها الجنة….الموت دروس لعلّنا نتعظ…(سناء.ك).
عُرفت الراحلة الكص بدفاعها المستميت عن حقوق النساء والأطفال والفئات الهشة، حيث سخرت حياتها للنضال من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة. لم تقتصر إسهاماتها على المجال القانوني فحسب، بل كان لها دور بارز في اقتراح تعديلات قانونية تهدف إلى تحسين وضع المرأة والطفل في المجتمع.
بحضورها القوي في المحافل الوطنية والدولية، كانت الكص صوتا حقوقيا مؤثرا في قضايا حارقة، إلى جانب نضالها المستمر منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى وفاتها أمس الثلاثاء 8 أكتوبر 2024، تاركة إرثا نضاليا غنيا إلى جانب مناضلات حقوقيات ساهمن في رسم معالم مشهد حقوقي جديد في المغرب.
كتبت الراحلة..”مع مضي السنين, وتوالى الأعوام ,وتراكم الخبرات و التجارب في الحياة , يصل بعض الناس لمرحلة من النضج الفكري و الوجداني تدعى المرحلة الملكية مع التركيز ان هذه المرحلة غير مرتبطة لا بسن الكهولةو لا الشيخوخة بل يحظى بها حتى الشباب الذي كبر عقله وفكره قبل سنه .
في المرحلة الملكية تتغير نظرة الإنسان للحياة ولكثير من الأمور التي تحيط به , حيث يصبح أكثر عقلانية وادراكا و فهما لمغزى الحياة وكنهها والغاية منها, وفي هذه المرحلة يكتسب الانسان مهارة التعامل مع الأحذاث, و الوقائع و الأشخاص بكثير من الحكمة والرصانة تشعره انه ملكا في حياته ممسكا بزمام امورها , ومتحكما في تصرفاته, واقواله ,ومواقفه , فيعيش في تناغم و انسجام مع الكون و مكوناته مع احساس كبير بالرضا والطمأنينة وراحة البال .
في المرحلة الملكية يكتشف الإنسان جيداً أن فرح اليوم لا يدوم وقد يكون مقدمة لحزن الغد أو العكس ,ويزداد يقينا وإيمانا بالقضاء والقدر، وبأن الخير فيما اختاره الله له.
في المرحلة الملكية ستنظر لقيمة الأشياء لا بثمنها , بل ستدرك إن الأمر سيصبح سيان عندك سواء لبست ساعة بـ 300 درهم أو 3000 درهم لأنها ستعطيك نفس التوقيت ,و إذا امتلكت حافظة نقود سعرها 30درهم أو 300 درهم فالأمر سيان لأنها لن تنقص او تزيد من قيمة ما بداخلها .
في المرحلة الملكية سيحس الإنسان إن الأمر عادي جدا سواء سكن في بيت مساحته 60 متر مربع, أو فيلا مساحتها 3000 متر مربع لأن كبر السكن او صغره لن يغير بما يختلج صدره من أفراح أو أتراح , ولن ينام الآ في سرير واحد يحتوي كل جسده ولن يحتاج إلى تفريق أعضائه لينام كل جزء منها في سرير خاص بها .
كما أن صغر البيت او اتساعه لن يغير من قسوة الشعور بالوحدة التي يعاني منها.
كما أنه في المرحلة الملكية سيتأكد أن السعادة لا تتيسر بامتلاك الأشياء المادية بل بالرضى و القناعة ، فسواء ركبت مقعد الدرجة الأولى أو الدرجة السياحية، فإنك ستصل لوجهتك في الوقت المحدد.
في المرحلة الملكية سوف لن يغريك من يركب سيارة فارهة بأ بهض الأثمان ولا سيارة لا ئقة تمكنه بسهولة من التنقل لقضاء حاجياته واراحته من زحمة وتعب المواصلات.
في المرحلة الملكية ستدرك أن حياتك رهينة بتفكيرك؛ فالتغيير منوط بك وحدك و وليس بتغيير بيئة او مكان او سفر أو بالحصول على مال أو منصب او مركز اجتماعي مرموق, بل ستطمح للحصول على راحة البال والضمير و الطمأنينة والسكينة ، وستجتهد لإبعاد نفسك على كل ما يكدر صفوها ، سيكون همك الأسمى هو الحصول على درجة إيمانية عالية ,وروحانيات مرتفعة لتقربك من الله و ستحتاج لطاقة قوية لشحن كل ما هو روحي لتحسن التواصل والخشوع بين يديه.
!
في المرحلة الملكية ستدرك ضرورة التكيف مع الظروف كيفما كانت صعوبتها وقسوتها لتحقق الاستقرار النفسي, و في هذه المرحلة ستعلم كيف تتقبل ظروفك دون ان تندب حظك او تشكو بل ستتأقلم وترضى بما لا يمكن تغييره وتسعى فقط لتغيير ما يمكن تغييره او تعويضه.
في المرحلة الملكية لن تعطي لتوافه الأمور أكثر من قدرها فلن يزعجك صياح طفل, ولن يكدر مزاجك زحام الشوارع، ولن تحرق أعصابك عن كلمة غير لائقة صادرة من إنسان غاضب ،ففي هذه المرحلة ستعرف انه من غير الحكمة إضاعة الوقت في أمور تافهة لا تستحق منك أي اهتمام.
في هذه المرحلة لن ترضى لنفسك ان تتكلم في سفاسف الآمور ولا ان تغضب لأتفه الأسباب كما كنت تعمل في فورة شبابك وقوة اندفاعك , بل ستندم كثيرا على كلام قلته ما كان ينبغي أن يقال لكن قلته تحت وطأة الغضب وستتمنى لو كنت اكثر هدوءا وصمتا .
في المرحلة الملكية ستتجنب و لن تقحم نفسك في نقاشات تافهة, ولن تدع احد ا يستدرجك في جدال أو مناقشة تافهة لا طائل من ورائها ، ولن تبذل جهداً للمشاركة في مواضيع غير مهمة ، وقد تجد نفسك ملتزما بالصمت كوسيلة للتعبير او أن تترك لغة جسدك تعبر بدل لسانك.
في المرحلة الملكية عندما تُبتلى بكاذب؛ فلن يحرك فيك ساكنا ولن تنبس ببنت شفة و تحشد الأدلة والقرائن لإثبات كذبه، بل ستقول في نفسك , مشفقا عليه من كذب فإنما يكذب على نفسه ، ستعي أن وقتك أثمن من الخوض في أمر لا يقدم ولا يؤخر.
في المرحلة الملكية , ستدرك أن الهداية بيد رب العالمين ,وأنك لن تهدي من تشاء بل الله يهدي من يحب , ستدرك أيضا أن البعض قدره أن يكون جاهلاً, والبعض قدره أن يكون عالة على الآخرين، والبعض قدره أن يغرق في مستنقع الغواية وهوى النفس , اكيد انك ستحاول إرشاده ما استطعت ولكن لن تبخع نفسك عليه إذا بذلت مافي جهدك لمساعدته لكن بقيت مساعيك المحمودة دون تحقيق المراد.
في المرحلة الملكية ستدرك أنك مسؤول عن صحتك وعن كل شؤون حياتك، وستعرف أنه لن يحمل أحد عنك هماً, ولن يقاسمك شخص مرضا .
، في المرحلة الملكية لن تحرق نفسك كالشمعة لتضيء للآخرين عتمة المكان وظلامه, بل ستعمل إن استطعت إن تكون مصدر إشعاع للنور مع بقاء ضوئك متوهجا ودون أن تحرق نفسك كالشمعة , في هذه المرحلة لن ترضى ان تكون شخصاً من الدرجة الثانية، بل ستعتني بنفسك وستعطيها المكانة الأولى في حياتك وستدللها وتحبها بدون أنانية ولا نرجسية.
في المرحلة الملكية ستكتشف أن خيارك الوحيد أن تكون محباً، محباً لربك، لذاتك، للخير، للناس وناشرا للمحبة بين البشر.
في المرحلة الملكية ستدرك أن الأحوال لا تدوم على شاكلة واحدة ، وستعرف أن الألم سيزول, وأن الوجع سينتهي وأن الظلم سيزهق وأن المظلوم سينصره الله في نهاية المطاف , وسترتاح بعدما ترضى بقدرك, وما كتب الله لك وعليك , وستنعم بالرضا عندما تدرك أن الله معك ولن يخذلك ابدا.”
بقلمي