تثير قرارات محكمة العدل الأوروبية تساؤلات مشروعة حول مدى اختصاصها في السماح لجبهة البوليساريو الانفصالية بالترافع أمامها. فالمحكمة التي وجدت أساسا للفصل في النزاعات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي،اتخذت مؤخرا قرارا يلغي اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي،متجاهلة القوانين المنظمة لاختصاصاتها.
من حق المغاربة وغيرهم أن يتساءلوا: ما هو الاختصاص الذي يتيح للبوليساريو، وهي ليست دولة الحق في الترافع أمام هذه المحكمة؟ وهل يعقل أن تعترف المحكمة الأوروبية ضمنيا بجبهة انفصالية كدولة دون أي سند قانوني أو سياسي واضح؟.
اختصاصات محكمة العدل الأوروبي
بالعودة إلى القوانين المنظمة للاتحاد الأوروبي ولمهام محكمة العدل الأوروبية، نجد أن المحكمة مختصة في الفصل في المنازعات بين الدول الأعضاء حول تفسير القوانين والمعاهدات ذات الصلة.كذلك تفصل المحكمة في الطعون المقدمة من مؤسسات الاتحاد مثل البرلمان الأوروبي، مجلس المحاسبة، والبنك المركزي الأوروبي.
لكن ما الذي يدفع المحكمة للتعامل مع البوليساريو وكأنها كيان سياسي شرعي؟ هذا هو المأزق الذي وضعت المحكمة نفسها فيه حيث منحت الجبهة الانفصالية حق الترافع رغم أنها ليست عضوا في الاتحاد ولا دولة معترف بها دوليا.
رفض البرلمان الأوروبي
في تطور حديث رفض البرلمان الأوروبي خلال جلسته العامة في ستراسبورغ (7-10 أكتوبر) محاولة بعض داعمي الانفصال إدراج مناقشة أحكام محكمة العدل الأوروبية المتعلقة باتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري على جدول أعماله. هذا الرفض بأغلبية أصوات النواب الأوروبيين المنتمين إلى مختلف التيارات السياسية يدل على أن البرلمان الأوروبي نفسه لا يرى أن هذه القضية تدخل ضمن اختصاصات المحكمة.
مأزق المحكمة الأوروبية
بقبولها لترافع البوليساريو، تكون المحكمة قد فتحت بابا لتناقضات خطيرة. فهي تتعامل مع كيان غير موجود قانونيا، وتضع نفسها أمام خيار مستحيل: إما أن تعترف ضمنيا بالبوليساريو كدولة داخل الاتحاد الأوروبي، أو أن تواجه اتهامات بالتحيز وتجاوز اختصاصاتها.
حتى لو افترضنا جدلا أن البوليساريو أصبحت العضو رقم 28 في الاتحاد الأوروبي فإن محكمة العدل الأوروبية حسب المادة 275 من قوانين الاتحاد لا تملك الحق في التدخل في السياسات الخارجية للاتحاد، مما يزيد من تعقيد المسألة ويفتح الباب لمزيد من الجدل.
إن قرار محكمة العدل الأوروبية بمنح البوليساريو حق الترافع أمامها يشكل سابقة قانونية مثيرة للجدل ويضعها في مواجهة تساؤلات مشروعة حول تجاوزها لاختصاصاتها. تكون قد وقعت في المحظور، وانقلب السحر على الساحر. وهي الآن تتخبط في مرارة السحر الذي لفظها باستقالة قسرية لقضاتها الذين غادروا مضطرين المشهد القضائي الأوروبي بأسلوب غير مسبوق، ما يعطي شرعية كل الشكوك التي تحوم حولها.