أخطبوط الفساد..التحدي الأكبر لخلق الثروة وتطوير التنمية
في خضم الجهود الوطنية لمكافحة الرشوة وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة،نجد أصواتا كثيرة ترتفع داعية لمحاربة الفساد حتى من المتورطين أنفسهم في هذا الداء.
ورغم ذلك جاء اعتراف رسمي صادم من قبل رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حيث أكد أن الفساد يكلف المغرب سنويا بين 3,5 و6 في المائة من ناتجه الداخلي الخام،ما يعادل 50 مليار درهم.هذه الأرقام تلقي بظلالها على الاقتصاد الوطني وتكشف عن مدى تغول الفساد في مختلف المؤسسات والقطاعات.
الفساد المتغلغل: تحديات متعددة
إن مشكلة الحكومات المتعاقبة تكمن في عدم التعامل الجدي مع هذه المؤشرات،وكأنها مجرد نصوص إنشائية تطرح دون ادراك لحجم خطورة هذه الأرقام. فالفساد هو فيروس يتغلغل في جسم المجتمع والدولة ومع ذلك لا تجد استنفارا كافيا لمواجهته كما يحدث مع الأوبئة الصحية التي تستنفر كل قوى الدولة لحماية صحة المواطنين.
الفساد في المغرب ليس مجرد ظاهرة مؤقتة،بل تحول إلى جزء من منظومة اقتصادية وسياسية حيث يستخدم لتحقيق مصالح ضيقة من قبل المسؤولين والمتورطين. شبكات الفساد أصبحت قادرة على التكيف مع الظروف الاقتصادية والسياسية وهي تمتد عبر قطاعات متعددة مثل التعليم، الصحة، التعمير، والمناجم، حيث يشهد الرأي العام باستمرار فضائح اختلاس وتزوير واستغلال النفوذ.
ضعف المحاسبة: حجرة عثرة أمام التقدم
رغم وجود مؤسسات متخصصة في مكافحة الفساد،إلا أن ضعف المحاسبة والشفافية يؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة.كثير من المسؤولين الكبار يختبئون وراء حصاناتهم القانونية أو نفوذهم السياسي،ما يصعب من محاسبتهم حتى وإن تورطوا في قضايا فساد.وهذا يساهم في ترسيخ ثقافة “الإفلات من العقاب” التي أصبحت متجذرة في بعض القطاعات.
من بين أهم الأسباب التي تعيق تقدم مكافحة الفساد هو عدم وجود إرادة سياسية كافية لتفعيل قوانين محاسبة المسؤولين،بالإضافة إلى غياب قضاء مستقل قادر على ملاحقة المتورطين بعيدا عن التدخلات السياسية. وفي الوقت ذاته،يبقى المواطن العادي ضحية لهذا النظام المتشابك حيث يجد نفسه مضطرا لدفع الرشوة للحصول على حقوقه الأساسية.
الرقمنة والحلول الحديثة: الأمل في التغيير
الحل لمكافحة الفساد ليس مستحيلا بل يتطلب خطوات جادة وممنهجة. يعد تعزيز الرقمنة من بين الحلول الناجعة التي تسعى الحكومة إلى تفعيلها،حيث تسهم الرقمنة في تقليل التدخلات البشرية في المعاملات الإدارية والمالية،مما يقلل من فرص الفساد ويزيد من الشفافية. يمكن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة المعاملات المالية، وتحليل البيانات بشكل فوري مما يسهم في كشف المخالفات بشكل أسرع وأكثر دقة.
الرقمنة أيضاتساهم في جعل المعلومات متاحة بشكل أكبر للمواطنين،حيث يمكن للمواطنين مراقبة المشاريع الحكومية ومعرفة كيف تدار الأموال العامة،مما يعزز من دورهم في مكافحة الفساد. هذا التحول يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية التقنية وتدريب الموظفين ولكنه سيؤدي في النهاية إلى تحسين المناخ العام للاستثمار والثقة في المؤسسات.
ضرورة الوعي المجتمعي ودور الإعلام
الإعلام له دور أساسي في فضح الفساد والتوعية بخطورته،لكنه يحتاج إلى استقلالية تامة ليتمكن من أداء دوره دون خوف من الضغوط السياسية أو الملاحقات القضائية. التوعية المجتمعية بمخاطر الفساد وأثره على التنمية والاقتصاد الوطني تعتبر ركيزة أساسية في محاربته. لابد من تشجيع المواطنين على التبليغ عن المخالفات دون الخوف من الانتقام،وتعزيز برامج حماية المبلغين لضمان سلامتهم.
كما أن التعليم والتربية على القيم يجب أن يكون لهما دور في بناء جيل جديد يدرك أهمية النزاهة والشفافية ويعي أن الفساد ليس مجرد مخالفة قانونية،بل هو خطر يهدد استقرار البلاد ومستقبلها.
الفساد في المغرب ليس مجرد ظاهرة عابرة،بل هو تحد عميق يطال جميع جوانب المجتمع. إذا لم يتم التصدي له بشكل جدي وفعال من خلال التنسيق بين مختلف المؤسسات، وتعزيز الشفافية والرقابة القضائية المستقلة،فإن هذا الداء سيظل يعوق تقدم البلاد.هناك حاجة إلى إعادة هيكلة حقيقية للمنظومة القانونية وتفعيل الإرادة السياسية الصادقة للقضاء على الفساد بشكل جذري.