بقلم/ الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، مهندس الإبادة الجماعية الفلسطينية، ومجرم الحرب الغارق حتى أذنيه بدماء الأبرياء، بأن حماس “لن تحكم غزة بعد الآن”.
يأتي ذلك بعد مقتل زعيم الحركة يحيى السنوار، بعد عام كامل من مطاردته، وعقب اغتيال إسماعيل هنية، وحسن نصر الله وغيرهما من قيادات حماس وحزب الله.
ترى هل توقفت الحرب صباح اليوم يا سيد نتنياهو؟
الإجابة نطالعها جميعاً في عناوين الأخبار ومقاطع الفيديو التي تنتشر في كل مكان، فلا حرب انتهت، ولا مقاومة أخمدت، ولا عاد أحد إلى دياره سواء في لبنان أو غزة أو حتى شمال إسرائيل. بل، ولن تنتهي الحرب في وقت قريب، وندعو الله ألا تمتد لتشمل دولة كبرى مثل إيران، فتمس شرارتها برميل البارود في الشرق الأوسط.. وتشتعل المنطقة عن بكرة أبيها ومن ورائها العالم بأسره.
يتابع نتنياهو في خطابه “المهيب” أمام شعب إسرائيل: “أدعوكم يا شعوب المنطقة، لدينا فرصة عظيمة لوقف محور الشر وخلق مستقبل مختلف.. مستقبل السلام. الآن، أصبح واضحاً للجميع، في إسرائيل وفي العالم، لماذا أصرينا على عدم إنهاء الحرب، ولماذا أصرينا، أمام كل الضغوط، على الدخول إلى رفح، معقل حماس المحصن”.
ترى هل يدرك هذا الكائن ما يتحدث عنه؟ أو بمعنى أصح، ألا تصله بيانات بشأن الـ 42 ألفا و621 شهيد والـ 99 ألفا و246 جريح أسفرت عنهم عمليته العسكرية الدموية، معظمهم وأكاد أقول كلهم من المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال؟
أتعجز عقلية هذا النتنياهو ومعه ذاك البايدن عن استيعاب ما تخلفه مثل هذه المآسي من تشوهات وأمراض وعقد وحقد وغل وكراهية ورغبة في الانتقام والتدمير؟ بمعنى، ألا يدرك هؤلاء أن ما حدث ويحدث منذ ثلاثة أرباع القرن لم يخلق سنوارا واحدا ولا هنية واحدا ولا حسن نصر الله واحدا.. ألا يدرك أنهم، وباستمرارهم في العناد والقتل والإبادة إنما كانوا ولا زالوا يبذرون بذور المقاومة في أرض خصبة تمتلئ كراهية للصهيونية والصهاينة والاستعمار والمستعمرين بكل أشكالهم وأطيافهم وأجناسهم وأعراقهم.
ألا يفهم هؤلاء أن السنوار وهنية ونصر الله ليسوا أشخاصا، بل هم رموز، يكسبها الرحيل أيقونية وطهارة ويصبحون مع الوقت نبراسا لأمة بأسرها تستند في ثقافتها إلى الرموز والمبادئ وقيم التضحية والشهادة.
صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بدوره إنه “سيتحدث قريبا مع نتنياهو لبحث إعادة الأسرى، وإنهاء الحرب”.. هكذا إذن؟
انتهى السنوار، فانتهت الحرب؟
قبل السنوار، قتل مئات الثوار والمقاومين والمناضلين، ولم تنته الحرب، ولم تنته الانتفاضات، ولم تخمد شعلة المقاومة. وبعد السنوار، ومهما قتلت إسرائيل، فلن يزيد ذلك شعبنا إلا إصرارا وثباتا على القيمة وعلى المبدأ وعلى حقنا في استعادة الأرض وتقرير المصير، وهو حق مشروع وفقا لجميع المواثيق والأعراف الدولية.
ما يريده نتنياهو وبايدن هو حفظ ماء الوجه، والتنصل من جميع الجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران واليمن، يريدون بشماعة السنوار أن يرسموا لجمهورهم صورة ما يطلقون عليه “نصرا” و”فرصة لوقف محور الشر وإحلال السلام والازدهار في الشرق الأوسط”.
إنها تصريحات خاوية بلا معنى ولا قيمة على خلفية ما يراه الغرب من تصويت 124 دولة لصالح قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وبعد ما يراه الجنود الإسرائيليون يوميا على الأرض من مقاومة يعززها كل شهيد للأرض، وشهيد للقدس، وشهيد للقضية العربية.
إن الحديث يدور عن قيم عليا لا يستطيع أمثال نتنياهو فهمها، فالشهادة “أمنية”، والتضحية “أمل”، وأمتنا تسعى للشهادة ولا تهرب من الموت، بينما يريد الجندي الإسرائيلي العودة إلى أهله وداره “بعد انتهاء الخدمة”، فهي بالنسبة له “خدمة عسكرية”، “عمل مقابل أجر أو ميزة أو وضع اجتماعي”، أما أمتنا فتسعى للشهادة سعي الجندي الإسرائيلي للحياة. إنها الرغبة في المجد والشرف والخلود والتضحية دفاعا عن الأرض والعرض والشرف.
لهذا فلن تتوقف الحرب ولن تتوقف المقاومة إلا بتحرير كل شبر من أراضينا العربية المحتلة، ولن يتوقف طابور المناضلين والشهداء ما لم تقم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والأيام بيننا.
لقد تسبب الغرب بالتوازي في مقتل أكثر من نصف مليون أوكراني في شرق أوروبا، كنتيجة لسياسات البيت الأبيض وأتباعه في أوروبا، ومع كل مساعي صبي الغرب المطيع زيلينسكي، فلا أحد عاد يلقي إليه بالا، ولم يعد يثير بخطاباته “الرنانة” و”المدوية” سوى الغثاء والملل، فلا صواريخ بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية، ولا حماية لسماء أوكرانيا بسلاح الجو من “الناتو”، ولا عضوية في “الناتو” إلا حين ميسرة، وبعد ترسيم الحدود الدولية والاعتراف بها.
ليصبح الهدف وراء كل هذه التضحيات من الشعب الأوكراني الشقيق هو المصالح الغربية التي يرعاها النظام النازي في كييف، وليتضح الآن أن زيلينسكي ومن معه، بل وأوروبا بأسرها ليست سوى دمية في يد واشنطن، فيعاني الاقتصاد الألماني، والأوروبي، ويضحي الأوكرانيون بأبنائهم وأراضيهم ومدنهم، وكل ذلك من أجل استنزاف روسيا من أجل عيون الولايات المتحدة، ولا طائل. بعد عامين ونصف العام، لا نتيجة تذكر سوى أن روسيا استعادت أراضيها التاريخية، التي كانت تمثل في يوم من الأيام 20% من مساحة أوكرانيا السابقة، وعززت من اقتصادها، وتخلصت جزئيا (40% على الأقل) من التعامل بالعملة الأمريكية.
اليوم، ذهبت السكرة، وجاءت الفكرة. وبدأ زعماء أوروبا والناتو يستوعبون ما صنعته يداهم، وأصبح الجميع يبحثون عن حل وتسوية للأزمة، بما يحفظ ماء الوجه للغرب، وبما يحقق ما يمكن بيعه بأنه “نصر مؤزر” لجماهير الغرب التي دفعت من جيوبها ثمن هذه الحرب.
لا أمن لأوروبا من دون روسيا، ولا ازدهار أو تنمية في أوروبا من دون التكامل الاقتصادي مع روسيا.
كما لا أمل في أمن ولا أمان في الشرق الأوسط والعالم دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
أقول إنه لا أمل في هذا العالم برمته إلا ببزوغ عالم جديد متعدد الأقطاب، فنحن بحاجة إلى “يالطا” جديدة، بحاجة إلى طاولة مفاوضات حقيقية يجلس إليها الصين والولايات المتحدة وروسيا، ليتفاوضوا على شكل العالم الجديد، الذي قطعا سيكون عالما متعدد الأقطاب