زحل و”سخاء”وزارة الثقافة في دعم “مجلة تاريخ المغرب”
بقلم/ خالد فؤاد طحطح
في عام 2000 حصلت مجلة تاريخ المغرب على 40 ألف درهم دعما للعددين 10 و11، وفي سنة 2022 حصلت على 26 ألف درهم دعما للعددين 12 و13، فيكون المجموع ستة ملايين سنتيم، وفي سنة 2023 حصلت هذه المجلة الوهمية على 32 ألف درهم دعما للعددين 14 و15، فيكون المجموع المالي هو 9 ملايين سنتيم ونصف المليون، وفي سنة 2024 حصلت المجلة مجددا على مبلغ 36 ألف درهم دعما للعددين 15 و16، وبذلك يصبح المجموع المادي الذي تحصلت عليه هذه المجلة الوهمية في ظرف أربع سنوات 12 مليون سنتيم و6 آلاف درهم.
يعتمد بعض الكتاب طرقا احتيالية للحصول على الدعم، وقد أسس على سبيل المثال الكاتب والمترجم زحل هلمجرا سنة 2002 دار جذور للنشر، واستفاد من أموال الدعم لسنوات طويلة، وكان يعمد إلى طبع نسخ قليلة من تلك الكتب لا تتعدى ما تطلبه الوزارة للتأكد من أن الكتاب في الأسواق وغالبا لا يوزع على الأكشاك والمكتبات لأن الترجمات المدعومة تكون مترجمة، وأحيانا ينشر صاحب دار جذور أغلفة وهمية لكتب لم تصدر ليستفيد من مال الدعم لا غير، وقد تمكن بهذه الطريقة من الاستفادة من ملايين السنتيمات التي قبضها من وزارة الثقافة والتواصل وصرفها على تدريس أبنائه وعلى مصالحه الخاصة.
ثم ما لبث أن أنشا المترحم المذكور دار نشر سماها تواصلات بمراكش، فكانت هي أيضا الوسيلة المثلى والطريقة الأفضل للحصول على المال العام وصرفه، فهو دائما ما يسعى بكل الطرق لإنشاء دور نشر جديدة والتحايل عبرها على الوزارة لأخذ مال الدعم ثم تختفي لتظهر دار أخرى باسمه، ونحن نعلم أن القانون يمنع على الموظف قانونيا أن يجمع بين وظيفتين، فدار النشر هدفها الربح المادي، والآن غير المترجم المذكور طرق التحايل فاختبأ تحت دار نشر حديدة تسمى درعة ميديا، وقد دخلت مجال التنافس على الدعم من سنة 2023، وحازت على ملايين السنتيمات مقابل أعمال غالبيتها وهمية، ونذكر من بين الكتب التي صدرت منها فقط الأغلفة دون أن ترى النور: ليونارد كاروف، تسع سنوات في خدمة والمغرب، وقد دأب المترجم على نشر الكثير من الأغلفة زاعما أنها مطبوعه وقيد النشر وقد تبين بعد سنوات أن الأمر مجرد إشاعات يطلقها وأخبار واهية غير صحيحة، ومن تلك الكتب الوهمية نذكر منها ادعاؤه ترجمة كتاب المغرب في مواجهة الامبرياليات لشارل اندري جوليان، كما زعم أنه سينشر تحقيق كتاب الدولة التكمدارتية، ومن العناوين الوهمية الأخرى التي ما فتيء ينشرها: ترجمات غير موجودة منها شريفة وزان، سلطان جبالة، مغرب السلاطين، واليوسي، في المعرفة التاريخية، مواثيق الرعي، البنيات الاجتماعية بالأطلس الكبير، وأيضا غلافات لكتب زعم أنه ألفها ومنها: التاريخ والمؤرخون دراسة وتعليق، واغتيال ابن خلدون، والعالم والسلطان، والرواية والترجمة، والعروي مترجما، وكيف ترجم محمد عناني الاستشراق، وابن خلدون معاصرا، وبلاد المخزن وبلاد السيبة.
كما أنه استطاع الحصول منذ سنوات على مشاريع لدعم مجلة المغرب وهي بالملايين وغالب الأعداد غير موجودة في الأسواق، مما يعني أن مال الدعم الذي يتوصل به ينفقه في أغراض بعيدة عن المجال الذي خصصت له.
في إطار الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة المغربية للكتاب والنشر هناك شق يتعلق بإقامة المؤلفين، وقد حصل أحد المترجمين بشكل مسبق على مبالغ مادية لإنجاز مشاريع ثقافية، ففي سنة 2019 حصل كتاب جاك بيرك مـــواثيـق الرعـــي لــدى بنــــي مسكـــين على دعم مادي مجزل بلغ ثلاثة ملايين سنتيم (30000 درهم) لفائدة المترجم المتحايل، وقد مرت أزيد من خمس سنوات ولا أثر للكتاب في المكتبات والأكشاك، مما يعني أن المشروع وهميا فقط، والهدف منه الاستفادة من المال، إذ أخل الكاتب هنا بدفتر التحملات. فما مصير الثلاثة ملايين سنتيم التي أخذها صاحبنا وأين صرفت؟.
لقد مرت خمس سنوات كاملة على هذا المشروع ونحن نقترب من السنة السادسة، ولا أثر لكتاب جاك بيرك مترجما، لكن المال تم سحبه وتم صرفه بالتأكيد.
ثم تقدم هذا المترجم الوهمي في سنة 2020 بمشروع آخر في مجال مشاركة الكتاب في إقامة المؤلفين أيضا، وهو لم يتمم بعد المشروع الأول عن مواثيق الرعي لدى ابن مسكين، وقد اختار هذه المرة اقتراح ترجمة كتاب جاك بيرك الموسوم ب البنيات الاجتماعية بالأطلس الكبير، وقد تحصل على مبلغ مليوني سنتيم (20000) دعما له قصد ترجمته، ولآن نحن على مشارف سنة 2025، أي على بعد خمس سنوات من قبضه المليوني سنتيم، ولا أثر للكتاب المزعوم لجاك بيرك مترجما للغة الضاد في المكتبات، في خرق سافر لدفتر التحملات، فهو يتحايل للاستفادة من أموال الدعن ونهبها.
لقد استفاد المترجم من خمسة ملايين سنتيم مقابل ترجمة كتابين لجاك بيرك، ولم يُقدم للقراء لا كتاب مواثيــــق الرعي ولا كتاب البنيــــات الاجتماعيـــة بالأطلس الكبيــــــر.
وفي سنة 2023 سيتحصل على دعم مالي جديد لأجل ترجمة كتاب ثالث وهو: سطــــات: قطـــب الشاويــة التاريخــــي، وحصل على مبلغ حددته الوزارة في 15000 درهم، وها هو المجموع يصل لستة ملايين ونصف (65000 درهم) عن ثلاث كتب لم يصدر منها لحد الآن أي عنوان بشكل فعلي،، بل صدرت فقط أغلفة وهمية نشرها في صفحته، وهي لا تحمل أي علامة لأي دار نشر ولا رقم الايداع القانوني.
وكما هو الأمر بالنسبة للكتابين السابقين لجاك بيرك لا أثر لكتاب الشاوية أيضا في الأكشاك، فرغم مرور ثلاث سنوات تقريبا على ظهور نتائج الدعم لازلنا أيضا أمام عمل وهمي، إذ ينص دفتر التحملات على وقت محدد لدعم مشروع ما، وهذا الوقت قد مر، فلا بد من إعادة المال للوزارة مادامت المشاريع الثلاثة لم تنجز؟.
أين هي ترجمة كتاب سطات؟ وفي أي مكتبة يباع هذا الكتاب مترجما؟ وهل سبق لأحد من القراء أن وجده في مكتبة ما؟ .
بالطبع لا توجد أي نسخة من هذه الترجمة المزعومة، لأن الأمر يتعلق بمشروع وهمي ليس إلا.
وقد وجد عبد الرحيم زحل في وزارة الثقافة البقرة الحلوب، إذ كيف يمكنه إنجاز كل هذه المشاريع في هذه الفترة القصيرة من الزمن، فهو في كل سنة يتقدم بمشاريع وهمية، ويتحصل على مراده، وكل واحد من هذه المشاريع يحتاج إلى التفرغ، فكل كتاب من هذه الكتب الثلاثة يحتاج لأربع أو خمس سنوات لإتمامه، لكنه جشع لا تهمه المعرفة ولا الجودة، فما يهمه حيازة أموال الدعم لأجل استعمالها في قضاء مصالحه الخاصة وخاصة صرفها على تعليم ولديه في الخارج، فبهذه الأموال يقتات ويتمعش، وهذا والله أمر مخجل لكل شخص يزعم أنه ذو كرامة وذو مروءة.
سيغتنم المترجم المسترزق فرصة سنة 2023 ليقدم مشروعا جديدا وهو لم ينته بعد من إنجاز ثلاث مشاريع سابقة وهي (مواثيق الرعي لدى بني مسكين- البنيات الاجتماعية بالأطلس الكبير – سطات قطب الشاوية التاريخي)، ويتعلق الأمر في المشروع الجديد بترجمة كتاب الأمــــازيغ والمخـــــزن في جنوب المـــــغرب، ونشير إلى أنه إلى حد تقدمه بهذا المشروع الرابع لم ينه بعد المشاريع الثلاثة السابقة التي توعد بها للوزارة.
يدخل مشروع الأمازيغ والمخزن في إطار الدعم العادي، ومن الشروط أن يكون الكتاب جاهزا قبلا، وقد مرت سنتين تقريبا ولا أثر للكتاب في الأكشاك.
كان نصيب الدعم عن ترجمة كتاب الأمـــازيغ (البربر) والمخزن لروبير مونتاني كبيرا جدا، فقد حصد صاحبنا عن هذا المشروع الوهمي أربعة ملايين سنتيم (40000)، نعم أربعة ملايين سنتيم” وعمر بها فمك”.
وصل مبلغ الدعم عن أربعة مشاريع إذن تسعة ملايين ونصف سنتيم (95000) وهي لا تزال لحد الساعة في مهب الريح، إذ لم يصدر منها سوى أغلفة وهمية تتلون بين الفينة والأخرى.
يأكل ويأكل ويستمر في الأكل، وهو لا يشبع، ولن يشبع، فالبقرة الحلوب لا تهتم ولا تحاسب ولا تراقب.
وفي سنة 2024 سنكون أمام مشــــروع وهمي خامـــس وترجمة جديــدة نال عليها المترجم المتحايل الدعم، فقد اختار صاحبنا بعد لهطه تسعة ملايين سنتيم عن أربعة كتب لم يصدر منها لحد الآن إلا الأغلفة الوهمية أن يتقدم بمشروع خامس، وهو لم يتم بعد المشاريع السابقة حتى لا تفوته الكعكة، ففي كل سنة لا بد وأن يأخذ حصته من المال.
تقدم بكتاب (رواية) وهي بعنوان أغادير هذه السنة وحاز عنه مبلغا ماليا مقداره 11000 درهم، وهكذا يكون صاحبنا في ظرف خمس سنوات قد لهط 11 مليون سنتيم من دعم وزارة الثقافة التي تدعم النشر والكتاب.
ونحيط علمكما أن مبلغ 11 مليون سنتيم هذه هي فقط عن مشاريع ترجماته الوهمية، أما ما يأخذه من أموال مقابل دعم مجلة المغرب الوهمية فقد فاق هذا المبلغ، فمنذ سنوات وهو يأخذ الدعم عن هذه المجلة ولا يصدر منها إلا الغلافات ونسخا محدودة يمنحها لوزارة الثقافة لدر الرماد في العيون.
ما هذه الانتهاكات والممارسات التي تجري دون رقيب ولا حسيب؟
لا ينفرد الكبار وحدهم بالفساد والنهب، فسياسة ملء البطون سلوكيات سياسية واجتماعية تشترك فيها معظم العناصر الاجتماعية، وهي منتشرة على نطاق واسع في العالم الثالث، فكثيرون يبحثون عن الأكل، وعن الحصة، وعن الواسطة، وعن الخبزة، فالهدف هو ملء البطن.
هكذا تنهب أموال وزارة الثقافة عبر طرق احتيالية وارتزاقية، فلا حول ولا قوة إلا بالله على جرأة أكل المال بالسحت والكذب على القراء لسنوات بالأغلفة الوهمية.