الجزائر تتحدى فرنسا وماكرون يرد بمغربية الصحراء
تصاعدت التوترات بين الجزائر وفرنسا بعد أن اعترفت فرنسا بمغربية الصحراء، وهو قرار أثار غضب الجزائر وأدى إلى تصعيد دبلوماسي كبير بين البلدين.
وكما كان متوقعا؛ جاء رد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بحدة على هذا الموقف الفرنسي، معتبراً أنه يشكل ضربة للعلاقات الثنائية، التي كانت تعاني أصلاً من هشاشة متزايدة.
تبون أعلن صراحة أنه لن يزور فرنسا في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن العلاقات بين البلدين لا يمكن أن تتحسن في ظل تجاهل فرنسا للقضايا الجوهرية التي تهم الجزائر، ومنها دعمها الصريح للمغرب في ملف الصحراء.
وما زاد الوضع تعقيداً هو إحياء الرئيس الجزائري لملف “الذاكرة”، وهو أحد الملفات الأكثر حساسية في العلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث يتعلق بجرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962.
وفي تصريحاته الأخيرة، اتهم تبون “أوساطاً فرنسية متطرفة” بمحاولة تزييف التاريخ وطمس المجازر التي ارتكبتها فرنسا بحق الجزائريين، وخاصة مجازر 17 أكتوبر 1961 في باريس.
وفي هذا الشأن أكد تبون أن الجزائر لن تتخلى عن “مبدأ الحق والإنصاف” في هذا الملف، مشيراً إلى أن إعادة فتح هذا الجرح القديم تأتي في سياق توتر متجدد مع باريس بعد موقفها الأخير بشأن الصحراء المغربية.
وتعود أصول هذا التوتر إلى غشت 2022، عندما اتفق تبون مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على تشكيل لجنة مشتركة لمعالجة ملف الذاكرة، وهي خطوة اعتبرت آنذاك بداية لتخفيف حدة الخلافات التاريخية بين البلدين. إلا أن العلاقات لم تتحسن بشكل جوهري، وظلت العلاقات متأرجحة بين التصعيد والتهدئة.
ورغم أن باريس حاولت في أكثر من مرة تهدئة الموقف من خلال مبادرات دبلوماسية، إلا أن التطورات الأخيرة جعلت من الصعب العودة إلى طاولة الحوار.
ومنذ اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، اشتد الصراع الدبلوماسي بين الجزائر وباريس، حيث سحبت الجزائر سفيرها من باريس احتجاجاً على هذا الموقف.
ولم يكتفِ الرئيس الجزائري بذلك، بل صرح بأن فرنسا تستغل علاقاتها التاريخية مع الجزائر لتمرير أجندات سياسية، مما يعمق الفجوة بين البلدين. وقد حذر العديد من المحللين السياسيين الفرنسيين من أن العلاقات مع الجزائر لن تستقر طالما أن هذا الملف لا يزال يشكل محور الخلافات.
وفي رسالته بمناسبة اليوم الوطني للهجرة الذي يصادف الذكرى الـ63 لمجازر 17 أكتوبر 1961، أكد عبظ المجيد تبون على أن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر لا يمكن أن تُنسى، مشيراً إلى أن الشرطة الفرنسية قتلت آلاف المتظاهرين الجزائريين وألقت بجثثهم في نهر السين.
واعادت هذه التصريحات إلى الواجهة مسألة الذاكرة، التي اعتبرها تبون ملفاً لا يمكن التساهل فيه أو المساومة عليه، خاصة في ظل ما وصفه بالهجمات التي يشنها اليمين المتطرف الفرنسي ضد الجزائر والجزائريين.
من جهته، كان ماكرون قد أثار استياء الجزائر في عام 2021 عندما وصف نظام الحكم في الجزائر بأنه “سياسي عسكري مبني على ذاكرة مشروخة”، وهو التصريح الذي أضاف طبقة أخرى من التعقيد للعلاقات المتوترة.
هذا التصريح، إلى جانب موقف فرنسا الأخير من الصحراء المغربية، جعل من الصعب على الطرفين التوصل إلى تفاهمات.
ورغم جهود الطرفين لإنشاء لجنة مشتركة لمعالجة ملف الذاكرة، إلا أن التوترات السياسية الحالية تعيق أي تقدم في هذا الاتجاه.
في سياق متصل، انتقد تبون اليمين الفرنسي، وخاصة اليمين المتطرف، الذي يعتبره مسؤولاً عن إثارة حملات كراهية ضد الجزائر.
وأشار إلى أن فرنسا لا تزال تتجاهل مناقشة العديد من القضايا العالقة بين البلدين، ومنها قضية تنظيف النفايات النووية التي خلفتها التجارب النووية الفرنسية في الجزائر بين عامي 1960 و1966.
إضافة إلى ذلك، اشتدت الخلافات حول ملف الهجرة، حيث اتهمت الجزائر فرنسا باستخدام اتفاقية الهجرة لسنة 1968 كأداة ضغط على الجزائر. هذا التوتر انعكس أيضاً على الملفات الأمنية، إذ شهدت العلاقات تصعيداً آخر عندما تم اتهام الجزائريين المقيمين في فرنسا بالتجسس لصالح بلادهم، وهو ما زاد من توتر العلاقة بين البلدين.
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، يتوقع مراقبون أن تستمر التوترات بين الجزائر وفرنسا ما لم يتم التوصل إلى حلول جذرية للقضايا الخلافية، خاصة ملف الصحراء المغربية وملف الذاكرة.
ورغم المحاولات الفرنسية لاستعادة العلاقات مع الجزائر، إلا أن الأخيرة تعتبر هذه الجهود غير كافية في ظل عدم وجود إرادة حقيقية لمعالجة القضايا العالقة.