الجزائر تفتح تحقيقا ضد الشركات الفرنسية التي تخطط للاستثمار في الصحراء المغربية
ذكرت صحيفة “الخبر” الجزائرية أن السلطات الجزائرية بصدد فتح تحقيق ضد الشركات الفرنسية التي تخطط للاستثمار في الصحراء المغربية، في خطوة تعكس انزعاج الجزائر من التقارب الفرنسي مع المغرب.
هذا التحرك يأتي في وقت تسعى فيه الجزائر لتعزيز دعمها لجبهة البوليساريو الارهابية وتكثيف الضغوط على الاتحاد الأوروبي في قضية الصحراء المغربية.
وترى الجزائر في التقارب الفرنسي مع المغرب تهديداً لمصالحها الدبلوماسية والاقتصادية، وقد تتسبب هذه الإجراءات في توتر العلاقات التجارية والدبلوماسية مع فرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبي أيضا .
فعندما تظن الجزائر أن العالم كله يدور حولها، يصبح من السهل أن تُخطئ في قراءة الواقع، فتبدأ في إصدار قرارات تُشبه أكثر ما تكون فصولاً من مسرحية هزلية.
فإن أحدث فصول هذه المسرحية هو إعلان الجزائر عن نيتها فتح تحقيق ضد الشركات الفرنسية التي تخطط للاستثمار في الصحراء المغربية حسب ما ذكرته الصحيفة الجزائرية.
نعم، الجزائر، التي لم تتمكن من إصلاح أوضاعها الاقتصادية الداخلية لعقود، تقرر الآن أن تكون “الوصية” على مصالح الدول الأخرى، وكأنها الدولة الوحيدة التي لها الحق في فرض الحظر على الاستثمارات الدولية.
ففي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الجزائري من أزمة خانقة، تحاول الجزائر أن تلعب دور “الأستاذ” في السياسة الدولية، وتستعرض عضلاتها أمام فرنسا التي قررت، لأسباب لا يُمكن فهمها في غالب الأحيان، أن تفتح قنوات تعاون استراتيجية مع المغرب. ولأن الجزائر لا تقوى على مواجهة الواقع، قررت أن تكون “حارساً للشرعية الدولية”، وكأن العالم بأسره يلتفت إلى قراراتها القضائية غير القابلة للتطبيق.
الخطوة الجزائرية لم تأتِ من فراغ، بل هي تعبير عن حالة من “التوتر العصبي” الدبلوماسي الذي يصيب الجزائر كلما اقتربت فرنسا أكثر من المغرب. كما تفاجئنا الجزائر كل مرة بمحاولة جديدة لعرقلة أي خطوة قد تقوي موقف المغرب في قضية الصحراء.
وكأن الجزائر نسيت أن هذه القضية كانت منذ البداية مدعاة للصراعات الإقليمية التي أثقلت كاهلها وزادت من عزلة جبهتها السياسية. وفي الوقت الذي يتعاظم فيه الاقتصاد المغربي وتزداد شراكاته الدولية، تظل الجزائر تعلق آمالها على “مناوشات دبلوماسية” تارة مع الاتحاد الأوروبي وتارة أخرى مع فرنسا، في محاولة يائسة للظهور بمظهر “المدافع عن الحق”، بينما الواقع يكشف عن سياسة هزيلة تفتقر إلى الواقعية.
لكننا إذا نظرنا للأمر من زاوية أخرى، قد نجد أن هذا التحقيق المزعوم ضد الشركات الفرنسية ليس سوى تعبير عن “فوبيا الاستثمار” الذي يعاني منه النظام الجزائري.
فكما يعلم الجميع، الجزائر تفضل سياسات الاقتصاد المركزي والشركات الحكومية، حيث لا مكان للمنافسة ولا للمشاريع الدولية التي قد تظهر هشاشة النظام الاقتصادي في الداخل.
إذن، هذا التحقيق قد يكون مجرد طريقة للتهرب من مواجهة التحديات الاقتصادية الحقيقية، مثل البطالة، التضخم، وندرة الفرص الاقتصادية داخل البلاد.
من جهة أخرى، يبدو أن الجزائر متأكدة أن الشركات الفرنسية ستُشهر سيوفها في محكمة العدل الأوروبية وتحقق “انتصارات تاريخية” لصالح جبهة البوليساريو.
قد نضحك على هذا الافتراض، لكن يبدو أن الجزائر تظن حقاً أن محكمة العدل الأوروبية ستتبنى الموقف الجزائري، رغم أن دول الاتحاد الأوروبي قد سبق وأن تجاهلت قرارات المحكمة في مواقف عديدة، وهذا ليس بجديد على سياسة “البراغماتية الأوروبية”.
والأمر الأكثر إثارة للسخرية هو أن الجزائر تعتبر نفسها المدافع الأول عن “الشرعية الدولية”، بينما هي تغض الطرف عن كثير من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان داخل أراضيها. فبدلاً من أن تسعى لإصلاح الداخل، يبدو أن السياسة الجزائرية أصبحت محكومة بالبحث عن “أعداء” خارجيين لإلهاء الشعب عن الواقع المزري الذي يعيشه. من التوترات مع فرنسا، إلى تجاذباتها مع دول الاتحاد الأوروبي، مروراً بحروبها الدبلوماسية مع المغرب، يظل النظام الجزائري منشغلاً أكثر بكيفية “إزعاج” العالم بدل أن يكون جزءاً من الحل.
إن الجزائر، التي تدعي الدفاع عن “الحقوق المشروعة” لشعوب، لم تقدم أي نموذج يحتذى به في مجال التنمية المستدامة أو الديمقراطية.
وبينما تحاول أن تجعل من ملف الصحراء ورقة ضغط سياسية ضد المغرب، يغيب عنها واقع أن الدول الكبرى لا تلتفت إلى الشعارات الفارغة ولا تنشغل بالأيديولوجيات البالية. بل هم يفضلون التعاون الاقتصادي والمشاريع المستدامة التي تخدم مصالح الجميع.
وقبل الختام يمكننا القول إن الجزائر اختارت لنفسها دور “المشتكي الأبدي” في الساحة الدولية. حيت تتصور أنها على خطى “المعتدى عليه” وأنه يجب على العالم أن يدير ظهره للواقع ويتبنى وجهة نظرها.
لكن الحقيقة أن هذه المسرحية قد أصبحت مملة، بل ومضحكة في بعض الأحيان. فبدلاً من استثمار الوقت في “التحقيقات” الفارغة، ربما من الأفضل للجزائر أن تبدأ بالتفكير في كيفية معالجة أزماتها الداخلية، فربما هناك شيء يمكن أن يُعتبر أكثر إلحاحاً من “دعم البوليساريو” و”مقاومة سيادة المغرب” على صحرائه.