تصريحات وزير الاوقاف حول العلمانية والإسلام و جدلية تدبير الشأن الديني بالمغرب
تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي،أحمد التوفيق حول العلمانية والإسلام المعتدل تفتح نقاشا عميقا حول طبيعة العلاقة بين الدولة المغربية والدين.بينما جاءت هذه التصريحات في سياق حوار مع مسؤول فرنسي حول “الإسلام المغربي” تطرح أسئلة جوهرية عن الأبعاد الفكرية والسياسية لتلك الكلمات وعن انعكاساتها على تدبير الشأن الديني داخل وخارج المغرب.
تحليل التصريحات: بين السياق الداخلي والخارجي
1- السياق الداخلي:
أشار الوزير في حديثه إلى “الإسلام المغربي المعتدل”وهي عبارة تتردد كثيرا في الخطاب الرسمي المغربي وتعبر عن النموذج المغربي للإسلام الذي يقوم على العقيدة الأشعرية -المذهب المالكي والتصوف السني.
هذا التوصيف يعكس رؤية الدولة لتقديم الإسلام كعامل استقرار واعتدال داخلي ولكنه يثير تساؤلات حول حدود الاعتدال وأبعاده: هل الاعتدال يعني التخلي عن الحدود الفقهية الصارمة أم تقديم تسهيلات للتعايش مع متغيرات العصر؟
2- السياق الخارجي:
اللقاء غير المعلن بين الوزير التوفيق ووزير الداخلية الفرنسي يشير إلى اهتمام فرنسا بتعزيز التعاون الديني مع المغرب،خصوصا في ظل أزمات الإسلام في فرنسا ومشاريعها لتطوير “إسلام فرنسي”.
تصريحات الوزير تلمح إلى نوع من التوافق حول نشر نموذج “الإسلام المغربي” في فرنسا،لكنه قد يحمل في طياته تنازلا عن ثوابت الإسلام التقليدي لتلبية متطلبات العلمانية الفرنسية.
دلالات مصطلح “العلمانية” في حديث الوزير
التصريح بأن “المغرب علماني” أثار جدلا واسعا خاصة أنه يأتي من وزير مسؤول عن تدبير الشأن الديني في دولة ينص دستورها على أن الإسلام دين الدولة .هنا تبرز عدة نقاط للنقاش:
1- هل قصد الوزير علمانية الدولة أم علمانية الإدارة؟
يمكن تفسير كلام الوزير على أنه يشير إلى العلمانية الإدارية،حيث تدار المساجد والشأن الديني بعيداًغ عن الصراعات السياسية،لكن هذا التفسير يظل مفتوحا للتأويل.في المقابل وصف الدولة بالعلمانية يتعارض مع الهوية الدستورية للمغرب ويثير مخاوف من وجود اتجاه خفي لتفريغ الإسلام من أبعاده المجتمعية والسياسية.
2- التناقض بين العلمانية والإسلام المعتدل:
العلمانية في أصلها تفصل الدين عن الدولة وهو ما يناقض مفهوم إمارة المؤمنين بالمغرب،حيث يضطلع الملك بدور حماية الدين ورعاية شؤونه.
“الإسلام المغربي” كما يقدمه الوزير يحمل خصائص المرونة والاعتدال لكنه قد يتهم بتقديم تنازلات فكرية تتماشى مع مطالب فرنسا وغيرها من الدول الغربية.
الأبعاد السياسية لتصريحات الوزير
تصريحات الوزير لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الراهن:
1- التقارب المغربي-الفرنسي:
تزامن التصريحات مع زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب يشير إلى محاولة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين،بما في ذلك التعاون في الملفات الدينية والثقافية.
قد ينظر إلى كلام الوزير على أنه محاولة لاسترضاء فرنسا،خاصة في ظل دعمها المتزايد للموقف المغربي في قضية الصحراء.
2- تدبير الجالية المغربية في فرنسا:
تلعب وزارة الأوقاف دورا كبيرا في تأطير الجالية المغربية في الخارج خاصة في فرنسا.ولكن التحدي يكمن في الموازنة بين نشر الإسلام المغربي والحفاظ على استقلالية الهوية الإسلامية.
3- الإسلام كعامل استقرار أو تنازل؟
تقديم الإسلام كعامل اعتدال واستقرار لا يعني بالضرورة تقديم تنازلات فكرية أو دينية.هناك حاجة لتعريف واضح لمفهوم “الاعتدال” الذي يتحدث عنه الوزير،حتى لا يتحول إلى أداة لإرضاء أجندات سياسية خارجية.
أسئلة تحتاج إلى إجابات
تصريحات الوزير تفتح الباب لعدة تساؤلات:
– كيف يمكن للمغرب الموازنة بين الاعتراف بالدين كركيزة للهوية الوطنية والحفاظ على علاقات دبلوماسية مع دول علمانية مثل فرنسا؟
– هل مفهوم “الإسلام المغربي” يتجه نحو تفريغ الإسلام من أبعاده المجتمعية والسياسية،ليصبح مجرد أداة دبلوماسية؟
-كيف يمكن للمغاربة استيعاب تصريحات الوزير في ظل تمسكهم بهويتهم الدينية الراسخة؟
تصريحات وزير الأوقاف أحمد التوفيق تعكس تحديات المغرب في تقديم نموذج ديني معتدل يحظى بقبول داخلي وخارجي. لكن الربط بين “العلمانية” و”الإسلام المعتدل” يثير قلقا مشروعا بشأن الهوية الدينية للمغرب.