فرنسا تعيد النظر في “اتفاقية 1968” مع الجزائر وسط توتر دبلوماسي متصاعد
عاد الجدل حول “اتفاقية 1968” بين فرنسا والجزائر إلى الواجهة مع إعلان وزير الداخلية الفرنسي الجديد، برونو روتايو، عزمه تعديل الاتفاق الذي ينظم الهجرة والعمل والتنقل بين البلدين. وصف الوزير الاتفاق بأنه “مفرط ومتنافر مع الواقع الحالي”، مشيرًا إلى ضرورة تكييفه مع التحديات الجديدة، في خطوة تُظهر رغبة باريس في ضبط تدفق الهجرة الجزائرية إلى أراضيها.
● تصعيد جديد في العلاقة بين باريس والجزائر
خلال جلسة أمام مجلس الشيوخ الفرنسي، وجّه روتايو انتقادات حادة للاتفاقية، مشيرًا إلى أن التعديلات التي أجريت عليها في السابق كانت شكلية ولم تعالج جوهر المشكلة. وأكد أن الاتفاق يمنح الجزائريين امتيازات واسعة مقارنة بباقي الجنسيات، وهو ما يتعارض مع أولويات الحكومة الفرنسية في الحد من تدفقات الهجرة وتنظيمها.
وأضاف روتايو: “رغم تمديد اليد مرات عديدة، لم نر تجاوبًا حقيقيًا. لقد حان الوقت لإعادة صياغة العلاقة على أساس مسؤولية متبادلة.”
● أزمة دبلوماسية متفاقمة
يتزامن موقف روتايو مع توتر العلاقات بين باريس والجزائر، الذي تعمّق بعد اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسيادة المغرب على الصحراء المغربية واعتقال الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال.
ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها عوامل زادت من برود العلاقة بين البلدين، مما جعل إعادة النظر في الاتفاق جزءًا من استراتيجية فرنسية شاملة لمراجعة العلاقات الثنائية.
● مزايا الاتفاقية وأعباؤها
توفر “اتفاقية 1968” للجزائريين تسهيلات كبيرة، منها حقوق الإقامة والعمل والدراسة، مقارنة بمواطني دول أخرى. ومع ذلك، تُظهر الإحصائيات أن هذا الامتياز أصبح عبئًا على فرنسا؛ إذ تمنح باريس سنويًا أكثر من 200,000 تأشيرة للجزائريين، في حين لا تُنفذ سوى 2,000 قرار ترحيل للمهاجرين غير الشرعيين.
وأشار روتايو إلى أن نحو 40% من المحتجزين في مراكز الاحتجاز الإدارية الفرنسية يحملون الجنسية الجزائرية، واصفًا ذلك بأنه “فارق واضح في التدفقات” يستوجب مراجعة جذرية.
● الجزائر تراقب بحذر
من جانبها، تتابع الجزائر المستجدات بقلق، حيث ترى في “اتفاقية 1968” ركيزة للعلاقات الثنائية وضمانًا لحقوق جاليتها في فرنسا. ويخشى المسؤولون الجزائريون من أن يؤدي إلغاء الاتفاق إلى تصعيد إضافي في التوترات بين البلدين، مع تأثير مباشر على الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا.
● بين السيادة والتعاون
رغم أن خطوة إعادة التفاوض لم تُتخذ رسميًا بعد، يشير مراقبون إلى أن موقف روتايو يعكس توجهًا متزايدًا داخل الأوساط السياسية الفرنسية لإعادة تقييم الاتفاقات الثنائية المتعلقة بالهجرة. وفي تصريح ختامي أمام مجلس الشيوخ، شدد وزير الداخلية على أن القضية لم تعد سياسية بحتة، بل أصبحت مسألة “سيادة وطنية”، داعيًا إلى اتخاذ قرارات جريئة تتماشى مع مصالح فرنسا.
● ردود فعل متباينة
لاقى موقف روتايو دعمًا كبيرًا من التيارات اليمينية في فرنسا، بينما دعت المعارضة إلى التعامل بحذر مع الملف، خشية تأثيره على المصالح الفرنسية في الجزائر وعلى الجالية الفرنسية هناك.
ومع تصاعد النقاشات حول الاتفاق، يبقى السؤال: هل ستُقدم باريس على اتخاذ خطوات حاسمة تُنهي عهد “اتفاقية 1968″، أم أن الواقع السياسي سيُبقي الملف مفتوحًا في انتظار تسويات دبلوماسية جديدة؟