أخبار سريعةالرئيسيةثقافة و فن

انسان مفترس

( لا يمكن للمرء أن يكون حرًا إذا كان العالم الذي يعيش فيه غير عادل )
سيمون دي بوفوار.

باتت حياتنا على هذا الكوكب اشبه بمسرحية بل انها كابوس مخيف و مزيج فظيع من الدمار و التقتيل و ابادة البشر.

ما الحل اذا؟ نصمد او نهرب ؟

الحقيقة المرة هي أن العظمة لا تأتي من الهروب من مشاكل الحياة، بل من مواجهتها. لكن ماذا فعلنا ؟ نحن اخترنا الهروب. اخترنا أن نغلق أعيننا. ولذلك، نحن هنا.

هذه القصة / المسرحية ليست عن البشر الذين يُقتلون فقط. إنها عنكم أيضًا – أنتم الذين اخترتم أن تصمتوا. والآن؟
شاهدوا الفصل القادم. ربما يكون الأسوأ !

بقلم/ مهدي عامري

على خشبة هذا المسرح الغارق في الجنون، وقف الراوي في منتصف المشهد، يرتدي عباءة سوداء، وبيده عصا كأنه ينظم بها ما تبقى من الازمنة الاخيرة لهذا الانسان المفترس.

يتطاير من عيون الراوي الشرر. عيونه غارقة في السخرية، وجسده مائل كأنه على وشك الانهيار.

المسرح من حوله هو ارض العزة؛ مدينة ممزقة تنبض بالحياة رغم كل شيء. ركام البيوت يحيط بها كديكور دائم، وأصوات البكاء تخترق الأذن كأنها جزء من الخلفية الموسيقية.

قال الراوي بصوت متهكم:
“أعزائي، مرحبًا بكم في عرض اليوم و هو بعنوان ‘ ابادة البشر و الشجر و الحجر’. قد يبدو العنوان صادما لكن لا تقلقوا، هذه ليست مسرحية معقدة، فالقصة دائمًا هي نفسها: طفل يصرخ حتى الموت، أم تبكي حتى تذوب عيناها و ينفطر فؤادها من الالم، عالم صامت متواطىء يشاهد يوميات القتل، ثم نعود للنهاية المفتوحة التي نحبها جميعًا.”

في زاوية المسرح، ظهرت ارض العزة، مجسدة في امرأة ثلاثينية، متعبة، شاحبة، تحمل فوق كتفيها أطلال مدينتها. كانت تتحدث بصوت خافت لكنه مشحون باليأس والغضب:
“هل تسمعني يا عدو الله ؟ بالأمس كان لدي بيت. كان لدي أطفال يلعبون هنا. الآن، أين هم؟ أين ألعابهم؟ أين ضحكاتهم؟”

أجاب الراوي بابتسامة لاذعة:
“لقد اختفوا مع الضمير العالمي، يا عزيزتي. يبدو أنهم في إجازة طويلة.”

رمقت ارض العزة الراوي بنظرة ملؤها الحزن، ثم مشت نحو الركام، لتلتقط دمية صغيرة ممزقة. “هذه كانت لطفلي. كان يحبها. كان يقول لي إنه سيصبح طبيبًا. والآن اين هو ؟ ربما أصبح شاهدًا على العصر.”

في ركن آخر من المسرح، ظهرت شخصيات متعددة، تمثل العالم الخارجي. كان هناك زعيم دولة كبرى، بصدر منتفخ وكلمات منمقة. إلى جانبه صحفي يحمل كاميرا، وناشط حقوقي يحمل لافتة كتب عليها: “نحن قلقون.”

قال الزعيم بصوت جهوري:
“نحن نتابع الأوضاع بقلق بالغ. ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس.”

ضحكت ارض العزة بمرارة:
“ضبط النفس؟ هل تقصد أنني يجب ان أضبط دموعي؟ أم أنني أضبط أنفاسي كي لا أصرخ؟”

تدخل الصحفي ليضيف بصوت مهني:
“نحن نغطي الأحداث من جميع الزوايا. نحن حياديون.”

نظرت ارض العزة إليه وقالت بسخرية مريرة:
“حياديون؟ أخبرني، كيف تبدو الحيادية بين طفل قُتل وصاروخ أطلق؟ من اي زاوية تصور ما تبقى من جثث أبنائي؟”

وفجأة، خيم صمت غريب. دخل الشيطان المسرح، أنيقًا، يرتدي بدلة سوداء لامعة، ويبتسم ابتسامة واثقة. بيده كأس مملوء بالدماء. نظر إلى الجمهور وقال بنبرة باردة:
“أوه، كم أحب هذا العرض. أفضل مسرحية في التاريخ. كل شيء هنا حقيقي: الدماء، الألم، وحتى الصمت. ما رأيكم؟ أليس هذا أروع إنتاج بشري؟”

اقتربت ارض العزة منه وصرخت:
“أيها الشيطان الرجيم، هل جئت هنا لتحتفل فوق جثث القتلى ؟”

ابتسم الشيطان ببرود:
“لا أحتفل يا عزيزتي، أنا فقط أشاهد وأستمتع. أنتم تقومون بعمل رائع. كل هذا العذاب، كل هذه الدموع، تجعلني أفتخر ببني البشر.”

ردت ارض العزة بغضب:
“هل أنت راضٍ الآن؟”

قال الشيطان وهو يرفع كأسه:
“ليس تمامًا. دائمًا هناك مكان للمزيد. البشر لا يخيبون ظني أبدًا.”

في مشهد آخر، فتحت الستارة على قاعة كبيرة مزخرفة بالذهب والرخام، حيث اجتمع قادة العالم في ما أطلقوا عليه “جلسة محاكمة دولية”. جلست ارض العزة في منتصف القاعة، بينما وقف أمامها مجموعة من المحققين يرتدون أزياء رسمية.

قال أحد المحققين بنبرة هادئة:
“هل لديكِ أدلة كافية على ما حدث؟”

نظرت إليه ارض العزة بصدمة:
“أدلة؟ ما رأيك في أشلاء أطفالي؟ في دماء تسيل في شوارع بلا أسماء؟ أهذا يكفي؟”

هز المحقق رأسه ببطء وقال:
“للأسف، هذه ليست أدلة قانونية. نحتاج إلى مزيد من التحقيق.”

تدخل المحقق الآخر قائلاً:
“ربما نرسل بعثة دولية. لكن ذلك سيستغرق بعض الوقت.”

ضحك الشيطان من زاوية القاعة وقال:
“أحب هذه الحوارات. إنها تزيد من التشويق.”

ما زالت ارض العزة، واقفة على ركام بيتها، تحاول جمع أشلاء ما تبقى من حياتها. رفعت رأسها نحو السماء وقالت:
“يا الله، هل تسمعني؟ هل ما زلت هنا؟”

لاحت السماء صامتة لكنها كانت تراقب. يستحيل ان تصمت السماء. انها تنتظر لترد في الوقت المناسب.

تقدم الراوي نحو الجمهور وقال بصوت خافت:
“فات الأوان يا عمري. العالم مليء بخواء الروح، والاحتقار هو العملة المتداولة. أما أنتم، أيها السادة، استمتعوا بالعرض التالي. المسرحية لم تنتهِ بعد.”

وفي الخلفية، كان صوت انفجارات يدوي، وضحكات الشيطان تتردد في كل زاوية من المسرح.

قبل أن يُغلق الستار، ظهرت مجموعة من الأطفال، أشباحًا، يلوحون بأيديهم للجمهور. قال أحدهم بصوت خافت:
“من البحر الى النهر لن تجد أجمل من ارض العزة. لكن يبدو للاسف أن الجمال أصبح جريمة في عالمنا المفترس المتوحش.”

و في النهاية أُغلق الستار على صمت مطبق، بينما ظلت دموع اولي الالباب كالشلالات تنهمر على خشبة المسرح.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button