الصورة من الثبات إلى الحركية
بقلم: د.جمال حداد
من الصعب أن تجعلك الأقدار قاطنا بحي يعبره شريان “طريق الرباط”، في بنية سكنية منفتحة بحركية عالية كأنا مشهد من مشاهد فيلم يستضيفك فيه المخرج لأحداث تأخذها القصة من الطفولة إلى ما شاء الله من الأيام، في حي أو “حومة” امتزجت فيها الأجناس و الديانات و الثقافات و الأهداف و الهموم، و بيت فيه ما فيه من منظومة تبصم الحياة بمواقف و أحداث تجعلك تكبر قبل سنك، و تمنحك الحياة فرصة لقاء الكبار، كتلك الفراشة التي تنجذب قصرا أو طوعا للأنوار فيحدث ذاك الانصهار، بين شخصيات فذة كحجازي و الجابري و عزيز بلال و شخصية خالد، حين تستدرجك الطليعة و تتبع موجتها مهما تكن وجهتها، لكن الحدس يخبرك أنها تأخذك نحو القمم و علو الهمم، في “طريق الرباط” حيث تاريخ المولودية، و المسرح و جمعيات و مقرات لفنانين معروفين كالشيخ صالح و بوشناق و غيرهما، ثم محور جهاته الأربع مجموعة من دور السينما، السينما التي إما أن نجعلها شبيهة بالحياة، فإما أن نلزم مقعد المتفرجين، و إما أن نخترق الشاشة كممثلين، و إما أن نكون خلف الكاميرا، و نصنع الحد
السينما التي يختارها خالد سلي مبكرا، و كل الذين اختاروها طوعا أو قسرا، اختاروا التغيير، وجدوا واقعا، لكن كانت أحلامهم أكثر من الواقع، أوسع من الواقع، أحسن من الواقع، السينما الملاذ و المعاذ، البناء و التشييد، السينما المؤسسة لمنظومة من المبادئ و القيم الداعمة للتربية و التكوين في أبعادها المتناهية، السينما ترجمة للهواجس التي تسكن الذات و الجماعة، السينما الصناعة، صناعة الدهشة، دهشة الانفتاح بعد الانطوائية على الذات، الانفتاح الضامن للإشعاعية، بعد عدم الاكتفاء بصنع الحدث إلى الإشراك في الإشعاعية، حيث تصير المدينة التي أوت خالد سلي منذ طفولته، غايته التي يريد أن يرد لها شيئا من الجميل، و أي جميل، فمن نظرة من داخل حيه و حومته، يترجم تلك الحيوية الضامنة للحركية لكل المدينة و الجهة، بمهرجان كبير تصير “وجدة الوجهة”، فيمنح لأبناء مدينته طعم الدهشة التي حان يحس بها في لقاء النخب، و يستقطب النخب للحضور في المدينة.
خالد سلي، “قاتل الكوابيس و باعث الأحلام”، و من يستطيع أن يجيب عن السؤال الفخ: “و أي حلم لم يتحقق بعد و تريد تحقيقه؟”، لم يكن سؤالا طبع مني له، كان جوابا عن كثير من الأسئلة، بل هو مساءلة، كل لدينا من الفنانين الذين لديهم أحلام؟ لا أتحدد عن الحلم الفردي، الذاتي، الذي هو حق الجميع، أقصد الحلم الجماعي، حلم الغد الواعد، و الجواب الذكي منه :”أن أعطي للجهة حقها”، هو الحلم، هو وجدة هذه العملاقة، هذه المدينة التي تحتاج أن تخرج كوثيقة تبهر العالم، بما فيها من محطات خالدة لا يعرف الكثير من أسرارها إلا البررة من أبنائها، كالعالم السيد بدر المقري، الذي حق فعلا أن يجالس و لمدة طويلة و يتم تأريخ و توثيق ما يقول، و نقل ذلك من السردية التاريخية الوثائقية العلمية، إلى الإدهاشية و الاندهاشية، عبر الصورة، من الثابت إلى الحركية، من الخلج إلى الدهشة البصرية.